خلال دراستي في الخارج، فكرت يوماً أن أفاجئ أهلي وأزورهم دون أن أبلغهم عن موعد رحلتي إليهم. كنوع من المفاجأة المُفرحة غير المتوقعة، فاتفقت مع إحدى شقيقاتي على الخُطة، والتي بدورها تشجعت لها فاستقبلتني في المطار وحدها، وعندما وصلت للمنزل، ودخلت على والدتي – رحمها الله – وهي للتو قد أنهت صلاتها كاد أن يتوقف قلبها من هول المفاجأة، إذ شهقت وصرخت من صميم قلبها، وأخذت تبكي فرحاً بشكل أرعبني خوفاً عليها، فأقسمت بعدها ألا أرتكب في حقها وحق أي من أهلي هذه الجريمة. فالمفاجآت والمقالب حتى وإن كانت مفرحة لا نعلم حقيقة مدى أبعادها، وكيف سيكون وقعها على الآخرين، فلسنا سواسية في تحمّل المفاجآت. أليس من المحتمل حينها أن يتوقف قلب والدتي وهي تراني بين يديها، وهي التي تعلم أن فلذة كبدها حينها في بلد آخر؟!. ما يحدث اليوم من هوس على وسائل التواصل الاجتماعي في عمل المقالب للمقرّبين بهدف إضحاك المتابعين، والحصول على لايكات الإعجاب، وتداول وانتشار الفيديوهات على أكبر نطاق، أمر لا يدعو للضحك إن ما قسنا الأمر بالحالة النفسيّة التي يمرّ بها أولئك الضحايا – إن ما جاز لنا التعبير عنهم أو وصفهم – أضع والدي في موقف محرج أو موقف مرعب وأترك الناس تضحك عليه ملء الفم، يعني أن أجعل منه مسخرة ومهرجاً وببلاش، وكل ذلك فقط لأحصل على لايك من فلان أو من علان الذي حتى لا أعرف اسمه ولا حتى شكله. أجازف وأترك والدتي تعيش لحظات الإحساس بفقدي لأصوّر لحظات يعتقد البعض أنها مُضحكة ولكنها في الواقع مُحزنة إن ما قسنا الأمر بالفاجعة التي تعيشها تلك الأم في وقتها، والتي وفي لحظة قد تُصاب بجلطة أو توقف نبض القلب، فتتحوّل تلك المزحة إلى محنة وعزاء! اسألوا أي أم فقدت فلذة كبدها، وما الذي شعرت به حين تلقت الخبر، أو حين رأت الموت يخطف أمامها من حملته في أحشائها وكيف كان إحساسها وقتها؟ أوصلنا إلى مرحلة أنه لم نعد بحاجة إلى حضور سيرك للضحك أو حتى تتبع البرامج والأفلام الفكاهية، لنكتفي بمتابعة برامج التواصل الاجتماعي لنضحك على من جعل نفسه أو جعل من يحب مسخرة ليضحك الناس!. للأسف بات المسخرة والتافه يُتابع على هذه البرامج، ويحصل على أكبر عدد من المتابعين واللايكات أكثر من ذاك المثقف والعالم والمحترم!. ياسمينة: لا تخسر إنساناً تعزّه، من أجل إضحاك إنسان لا تعرفه. [email protected] Twitter: @Heba_elmolla