من شأن تفشٍ مميت للأنفلونزا أن يدفع المكسيك في هوة ركود عميق قد لا يقل عن الانهيار المالي «أزمة التكيلا» الذي ضرب البلاد في منتصف التسعينات وذلك في وقت تتوقف عجلة الاقتصاد ويبتعد السائحون. ويكابد المكسيكيون بالفعل ويلات ركود حاد نجم عن انهيار الطلب الأمريكي على صادرات البلاد. لكن وباء الانفلونزا الذي قتل 176 شخصا في المكسيك يوجه صفعة أخرى كبيرة، فقد دعت الحكومة المكسيكية في ساعة متأخرة يوم الأربعاء إلى اغلاق قطاعات كبيرة من الاقتصاد لخمسة أيام في محاولة لوقف انتشار المرض. وقال وزير المالية أوجستين كارستنز «ما من شك في أن التباطؤ الاقتصادي سيكون أعمق» بينما حثت الحكومة كل القطاعات غير الأساسية للاقتصاد أو السلامة العامة على وقف نشاطها من أول مايو أيار إلى الخامس منه. وقال كارستنز إن الحكومة تريد أن يكون الاغلاق على أوسع نطاق ممكن لكبح انتشار فيروس انفلونزا الخنازير الجديد الذي يعرفه خبراء الصحة باسم الانفلونزا أ (اتش1.ان1) وقال اتش.اس.بي.سي في مذكرة بحثية إن أزمة الانفلونزا قد تتسبب في انكماش اقتصاد المكسيك 0.3 نقطة مئوية في الأسبوع الواحد من عمرها. وتزداد توقعات الاقتصاد المكسيكي كآبة في الأسابيع الأخيرة إذ يتكهن بعض المحللين بأنه قد ينكمش خمسة بالمئة هذا العام. ولا يبعد هذا كثيرا عن تراجع نسبته 6.2 بالمئة سجله عام 1995 في خضم أزمة التكيلا. وقال رفاييل كامارينا الخبير الاقتصادي لدى بنك سانتاندر «إننا في نطاق يقترب كثيرا من ذلك.» كان اقتصاد المكسيك ونظامها المصرفي سقطا في دوامة منتصف التسعينات عقب انهيار العملة المحلية البيزو. ورغم التحسن الكبير للنظام المصرفي والأوضاع المالية العامة الآن فقد شهدت الصادرات تراجعا حادا هذا العام مع تراجع مشتريات الأمريكيين الذين يعصف بهم الركود من السيارات وأجهزة التلفاز المصنعة في جارتهم الجنوبية. وقررت شركة فورد لصناعة السيارات وهي أحد كبار المصنعين بالمكسيك الامتثال إلى دعوة الحكومة وستوقف أنشطتها المكسيكية على مدى الأيام الخمسة لكن عددا كبيرا من الشركات الخاصة الأخرى بدا عازما على مواصلة العمل. فقد قالت مجموعة كبيرة من مصانع التصدير المقام معظمها على الحدود مع الولاياتالمتحدة إن أعضاءها لن يغلقوا مصانعهم. كانت المكسيك أعلنت أواخر الأسبوع الماضي أن سلالة لم يسبق رصدها من فيروس الانفلونزا - مركبة من عناصر لسلالات انفلونزا الخنازير والطيور والبشر - تتفشى سريعا في أنحاء البلاد. ويلحق تفشي الانفلونزا أشد الضرر بصناعة السياحة التي تسهم بنحو ثمانية بالمئة من اقتصاد المكسيك. ونصح الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة وكندا مواطنيهم بعدم السفر إلى المكسيك لغير ضرورة. ويسارع السياح إلى مغادرة المكسيك وسط مخاوف من إلغاء الرحلات عقب أنباء عن وفاة أول ضحية للفيروس خارج المكسيك. وفي وقت سابق هذا الأسبوع أمرت السلطات باغلاق نحو 35 ألف مطعم في مكسيكو سيتي حيث سجل عدد كبير من حالات الوفاة بأنفلونزا الخنازير في البلاد. وقال أوكتافيو جوتيريز الخبير الاقتصادي لدى بي.بي.في.ايه «ما يقلقني أكثر هو أننا قد نشهد تأثر الطلب سلبا.» وانحدرت قيمة البيزو هذا العام بفعل انهيار الصادرات وانسحاب المستثمرين الأجانب من الأسواق الصاعدة. وتراجعت العملة 1.72 بالمئة أمس الخميس متأثرة بمخاوف من أن الوباء قد يجلب مزيدا من الأوجاع الاقتصادية. وحتى من قبل تفجر أزمة الانفلونزا من المرجح أن يكون اقتصاد المكسيك قد انكمش ما يصل إلى ثمانية بالمئة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام مقارنة بالفترة ذاتها من 2008 حسبما ذكر البنك المركزي يوم الأربعاء. وقال فرانشيسكو جاياردو مدير مطعم كافيه لا جوريا في مكسيكو سيتي «كان عاما صعبا بالفعل كما بوسعك أن تلاحظ في كل المطاعم والحانات هنا. لكن لا تظن ولو للحظة أن أي مشكلة كانت بخطورة ما نراه اليوم.» ويعمد المستهلكون الخائفون على حياتهم إلى خفض الإنفاق أيضا. وتزدحم المتاجر بمكسيكيين يرتدون الأقنعة الواقية ويشترون مستحضرات التعقيم والطعام والمياه لكن خبراء الاقتصاد يقولون إنهم يخفضون مشترياتهم من الأشياء غير الضرورية مثل الأثاث وأجهزة الكمبيوتر. وقال كارستنز إن دولا أخرى أبتليت بالأوبئة في السنوات الأخيرة تعافت سريعا حالما يأخذ المرض دورته الطبيعية. لكنه أضاف أن تلك الأمثلة تنبيء أيضا بأن تفشي الانفلونزا مدة ثلاثة شهور قد يخفض الناتج الاقتصادي للمكسيك نحو 0.5 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.