جدّد الشاعر السعودي محمد العليّ، الذي أحيا أمسية شعرية أعقبها لقاء مفتوح بشأن تجربته في جامعة الملك سعود، اتهامه الغذّاميّ بأنه مدّعٍ وأن الحداثة ليست من صنع أحد. وقال «إنّ الدكتور عبدالله الغذّامّي ليس عنده هدف بناء مدرسة نقدية، بل هدف بناء ذاته. وهذا الشيء فادح وهو أن تكون طاقة رائعة مثل طاقة الغذّاميّ ثم تتسرب إلى شيء ذاتي وشيء عبثي. لا أحد سوى الذات عند الغذّاميّ. دائماً ينشد في داخله: إني لأفتح عيني حين أفتحها على كثير، ولكن لا أرى أحداً». وأضاف «مع الأسف أنّ تضخم الذات، تمدها طاقة نقدية، بمعنى أنّ طاقته النقدية بدلاً أن تتجه إلى الآخرين وخلق مدرسة، اتجهت إلى تضخيم الذات، والذات إذا تضخمت منعت كل الأضواء. أنا أتأسف على طاقة الغذّاميّ النقدية وعلى شجاعته، وهو يملك الطاقة والشجاعة، لكنه يحب الضوء إلى حد مميت». وقال العليّ «إنّ لكل شخص تجربته، وله أن يوضح ذلك. فالغذّاميّ في (الحكاية) أنكر المرحلة المكية، وهي المرحلة التي بدأها العوّاد واستمرت، وجاء من بعده من مشى على الطريق فليس من حقه أن ينكرها»، نافياً أنه التزم الحياد في صراع الحداثة والمحافظين في الثمانينات مستشهداً بأنه كتب نقداً ضد كتاب «الحداثة في ميزان الإسلام» ورفضت كل الصحف السعودية نشره ما اضطره لنشره في صحيفة «الوطن» الكويتية حينذاك. ورفض العلي فكرة انتهاء الحداثة في السعودية، مشدداً على أنها تعيش الآن أفضل فتراتها بعد أن تخلصت من الإدعاء ومما سماه الطفولة الحداثية على غرار ما يسمى في الحركات الحزبية «الطفولة اليسارية». وقال «لا أحد يدافع عن الحداثة الآن، لقد صار الحداثيون يعرفون حجمهم، بعد أن مرت الحداثة بغرور فكرة امتلاك الساحة». وأوضح العلي في لقائه الذي اعتبره بعض الحضور احتفالياً أكثر منه حوارياً «أنّ المجتمع السعودي لم يصل ذهنياً وسلوكياً إلى الحداثة، لكنه كإبداع حقّق ذلك». وزاد العليّ «إننا لازلنا في مرحلة المناظرة، بمعنى أنا على حق وأنت على باطل. الحوار لا يكون بهذا الشكل لا يكون وإنما يكون بالبحث عن رأي ثالث. أمّا إذا أصبح مناظرة فهو أشبه بالملاكمة أو بالمصارعة الحرة، وكل طرف يريد أن يميت الآخر. وهناك أمل أن تتطور مرحلة المناظرة إلى مرحلة الحوار وليس تخويناً وليس تكفيراً».(1) وعندما عرض هذا على عبدالله الغذّاميّ قال «هذا رأيه وما طرحته في (حكاية الحداثة) يمثل رأيي فيها وفي الأشخاص الذين ساهموا فيها رافضاً أي تعليق على ما جاء على لسان العليّ، وأنه يرفض فكرة أن يطرح آراءه من خلال هذه المساجلات السريعة واعداً في الوقت ذاته شبكة شعاع بحوار يمكن أن يناقش فيه كل القضايا التي ترغب الشبكة في مناقشتها».(2) يذكر أنّ الغذّاميّ قال إنّ الله منحه أحصنة مثيرة ولكن لملاحقة الأسود أو النجوم العوالي. وقال إنه قد يتحدث عن أبي الطيب المتنبي وأدونيس ونزار وأقول إنهم نسقيون أمّا سواهم وقال الغذامي لصحيفة «الحياة» في رده على قول الشاعر محمد العلي عنه «مدّعٍ وناقد من النقاد لا أقل ولا أكثر له ماله وعليه ما عليه». قال «أنا من ديدني وخلقي أنني لا أتعامل مع هذا النوع من التراشق، وأعتقد أنه لا يليق بي، ولا بإنسان يحترم التبادل الثقافي أن يتعامل مع هذا النوع من التعبيرات، لا مرسلاً ولا مستقبلاً، وأنا هنا لا أرسل مثل هذا ولا أستقبل مثله، وإلا فأنا وكما يقول المثل الشعبي «ماني قليل شر». وأذكر أن مطلق الذيابي - رحمه الله - اعتدى على قامته وقيمته رجل فرد عليه بمقالة «حصاني مسرج ولكن الطريدة هزيلة»، فأنا في مثل هذه المواقف أحمد الله أنه منحني أحصنة كثيرة مسرجة، لكن أحصنتي ليست لملاحقة الطرائد الهزيلة، فمن الممكن أن ألاحق الأسود أو ألاحق النجوم العوالي أو أتحدث عن أبي الطيب المتنبي وأدونيس ونزار، وأقول إنهم نسقيون، أمّا سواهم فلا، وكما يقول المتنبي «وشر ما قنصته راحتي قنصٌ/ شهب البُزاةِ سواء فيه والرخمُ» فلا يمكن أن أضع نفسي مع الرخم، وأعطني يا ناصر - بزاة شهب وستجدني هناك». وأشار الغذّاميّ في معرض من يتهم أن خلافه مع العلي مذهبي وليس ثقافياً «يؤسفني جداً أن يُقال مثل هذا الرأي، سواء كان من مثقفين أو غيرهم؛ لأننا في الوطن والمواطنة سواء، ثم إنه ليس بيني وبين العلي صراع؛ لأن صفة الصراع تقوم عندما يكون عندي شيء تجاهه، وأنا ليس لدي شيء تجاه العلي فلا صارعته ولم أصارعه ولن أصارعه، كما في جوابي السابق عن شهب البزاة، ثم إن «الشين» التي عند العلي ليست شيناً ولكنها «شين» من نوع آخر، وهي شين من الشين، وهذا ليس لغزاً واسألوا العلي كي يجيب عن اللغز، الذي ليس بلغ، فهو ماء لا ماء فيه، وملح لا ملح فيه، وكفاه مني ما سمع».(3) وقال العلي في رده على الغذّاميّ واصفاً إياه بالذي يسطو على مجهودات الآخرين النقدية والفكرية. وقال إنه حين يسرق هذه النظريات فإنه يتوهم أنها من ثمار قريحته المجدبة، مستشهداً بقول المتنبي «إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم» اتهمه بالتسلق إلى الشهرة على سلم ازدراء الآخرين. العلي يرد على الغذّاميّ: جاحد يهرول . وأشار إلى أنّ الغذّاميّ «يتسلق إلى الشهرة على سلم ازدراء الآخرين» وتعجب العليّ، الذي يعد رمزاً أدبياً كبيراً في السعودية والوطن العربي، من أن يهاجم الغذّاميّ المتنبيّ ويستشهد به في الوقت نفسه. وألمح صاحب القصيدة الشهيرة «لا ماء في الماء» التي تحولت نشيداً يتلوه الشعراء ومحبو الشعر، إلى أنّ الغذّاميّ مارس التحريض عليه، عندما وصفه ب «الشين». وقال إنّ الغذّاميّ في حاجة إلى قرن من الزمن، وكذلك إلى قراءة نظريات أخرى حتى يصل إلى معنى الشين التي وصفه بها.(4) وكاد الصراع بين الرجلين أن ينزل إلى مدارك جديدة لولا أنّ الدكتور الغذّاميّ قال بوضوح «إنه لم يقصد التجريح الطائفي لخصمه العليّ حين وصفه بالشين». وهو ما اعتبره العلي ساعتها نوعاً من التحريض، بل لم يقصد سوى الإشارة إلى الانتماء الفكري لخصمه العليّ، وهي المزاعم التي تلاحق العليّ مثلما تلاحق العشرات من المثقفين خصوصاً الذين كانت لهم صلات في الستينات بأحزاب ومثقفين يساريين في العالم العربي.(5) وقال الغذّاميّ «من الحكمة في هذه المواقف اختيار الخصوم مثل اختيار الأصدقاء وهذا مبدأ أساسي عندي. وأظن أن من حقوق العلم ومن كرامة العلم ألا نهدره في ضروب ما يمكن أن نسميه المراهقة الثقافية»، معتبراً أنّ مذمة محمد العلي ضده «ليست بذات شأن»، معيداً القول «إن خيولي مسرجة، ولكنها ليست الطرائد الهزيلة». وعما إذا كان الحوار بينه وبين العليّ خرج عن المألوف، قال الغذامي «صحيح، لكن ينبغي التأكيد أنّ هذا ليس حواراً، فمن جهتي لم أحاور ولا أظن أنني أمام شخص من الممكن أن أتحاور معه؛ لأنه ليس عنده أطروحة للحوار أصلاً، هو فقط تفوّه بألفاظ هي من معجمه الخاص»، مضيفاً أن العلي «لا يتوفر فيه أي شرط من شرط من شروط الخصومة العلمية المعرفية التي هي من أخلاق المعرفة، ومصداقية المعرفة، لذلك لا مجال هنا لحوار معه ولا لخصومة معه». أمّا العليّ فقد رفض في اتصال مع «الشرق الأوسط» التعليق على هذا السِجال.(6) الهوامش: (1) صحيفة «الحياة»، الطبعة السعودية، 18 نوفمبر/ تشرين الثاني .2008 (2) http://www.mdaad.com/vb/showthread.php?t=11681 (3) صحيفة «الحياة»، الطبعة السعودية 23 نوفمبر/ تشرين الثاني .2008 (4) «الحياة» السعودية 24 نوفمبر/ تشرين الثاني ,2008 صحيفة «الرياض» 26 نوفمبر/ تشرين الثاني .2008 (5) صحيفة «الشرق الأوسط»، 4 ديسمبر/ كانون الأول .2008 (6) «الشرق الأوسط». 4 ديسمبر/ كانون الأول 2008