رغم تطورات العصر وقفزاته التكنولوجية والتقنية، والوتيرة المتسارعة في كل أنماط الحياة، إلا أن الزائر لأسواق نجران الشعبية ينتابه شعور وإحساس نحو العودة للماضي الأصيل. وفي جولة لوكالة الأنباء السعودية في أسواق نجران الشعبية، برزت نجران القديمة في كل زاوية وردهة ودكان بكل موروثها الشعبي وحرفها القديمة ليقف الزائر أمام تاريخ حافل وزاخر يحكي تاريخ نجران بكل تفاصيلها، حيث تتوزع الأسواق الشعبية داخل نجران القديمة بشكل مصنف لكل حرفة ونشاط ويجتمع أصحاب الحرفة الواحدة في مكان واحد، والزائر للمكان يشاهد العديد من الدكاكين على جوانب ممرات طويلة تتنوع فيها المعروضات التراثية التي تجذب المارة بتنوعها وتباين ألوانها في مشاهدة حية للحرفيين وهم يؤدون مهامهم اليومية بكل اتقان وسط تجاذب أطراف الحديث بينهم .ومما يميز تلك الأسواق الشعبية أن ما يُصنع ويعرض فيها خامات من ذات الأرض كعملية عبقرية لإعادة التدوير والإستفادة من كل خيرات الأرض فمن النخيل الذي ينتشر في نجران كان ولازال سعف النخيل (الخوص) الأبرز من ناحية الاستفادة في المنزل بشكل لافت فنجد (المكنسة) و (الزنبيل) و(المطرح) كما تشمل الصناعات الأواني الفخارية التي تصنع منها أدوات البخور الملونة و (الزير) الذي يستخدم في حفظ الماء باردًا ومن الحجارة تصنع بعض أواني الأكل مثل (المدهن) الذي يقدم فيه الأكل و (البرمة) التي يُعد فيها الطعام (التنور) وهو عبارة عن فرن للخبز وتتم كل هذه الصناعة بشكل يدوي وبدون تدخل أي آلة ومن الجلود يصنع (الميزب) وهو أداة ينام ويحمل فيها الرضيع ولها حزام في جانبيها يجعلها سهلة الحمل على الكتف و(المسب) الذي يوضع فيه الطعام و(القطف) وهوخاص بالقهوة ويحفظ لها نكهتها وجودتها . وتضم الأسواق الشعبية محلات خاصة بصناعة الخناجر (الجنابي) وصقلها حسب الطلب وتتباين قيمتها المادية وتختلف من ناحية قدمها و جوده المادة التي يصنع منها رأس الجنبية حيث يعد الرأس المصنوع من (الزراف) من أجودها وأغلاها وقد تصل قيمتها أحياناً الى 100 الف ريال وأكثر من ذلك ,كما تضم أيضًا مصنوعات تخص المرأة والفتاة النجرانية قديما حيث تنتشر الحلي الفضية المتقنة الصنع مثل (المطال) و(المرادع) والعديد من الأنواع الأخرى التى كانت تتزين بها المرأة النجرانية في الماضي . ويقع على الشارع الرئيسي لسوق الجنابي سوق الحبوب الذي يضم جميع الحبوب من قمح وذرة وشعير بكافة أنواعها وفي تلك الدكاكين طواحين تقوم بطحن الحبوب لتكون جاهزة للبيع على المتسوقين. وفي الجهة الأخرى التي تقع بجانب قصر الإمارة التاريخي يبرز أحد الاسواق القديمة و الفريد من نوعه في المنطقة الذي يُطلق عليه (سوق النساء) ويمتاز هذا السوق بعراقته وتخصصه في بيع المنتجات المخصصة للمرأة في نجران حيث يشتمل على البخور والعطور والزيوت النباتيه والأعشاب. كما تضم أسواق نجران الشعبية "صناعة النسيج وحياكته" حيث تصنع المنسوجات من الصوف ولازالت تصنع بنفس المهارة والدقة في الشكل واللون التي كانت تصنع بها قديماً ولها عدة أنواع وأشكال يزين بها البيت النجراني كالبساط والرداعة والهدر وجميعها تفرش على الأرض أو في مقدمة المجلس أو وسطه, ولم يقف الأمر عند ذلك فقد استخدمت المنسوجات كأدوات مساعدة مثل (العذر) للجمال و(القلائد) للخيول , كما تعرض في تلك الأسوق الملابس النجرانية القديمة مثل ( المكمم) الذي تلبسه المرأة النجرانية و (المزندة) و ( المعضد) الذي ترتديه الفتاة . ورأى مندوب واس خلال جولته في أسواق نجران الشعبية أن الأصالة تبقى حاضرة في أسواق نجران وتظل الحرف اليدوية شاهداً متجدداً على تمسك إنسان هذه الأرض بموروثه وعاداته التي تمثل جزءا مهما من هويته التي ينقلها جيلا بعد جيل.