يمثل مشروع تطوير الدرعية التاريخية نموذجاً من نماذج التراث الوطني الذي توليه الدولة اهتماماً كبيراً، وتسعى الهيئة العامة للسياحة والآثار لضمها لقائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو، وتقدم مع الهيئة العليا لتطوير منطقة الرياض جهوداً كبيرة في تطوير أحيائها، مراعين استخدام العناصر الأساسية في البناء التي استخدمت في بنائها إبان الدولة السعودية الأولى. وبدأت فكرة مشروع تطوير الدرعية التاريخية إبان احتفال المملكة بمرور 100 عام على توحيدها عندما وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- (أمير منطقة الرياض رئيس اللجنة العليا آنذاك) بتشكيل لجنة لدراسة تطوير الدرعية، بناءً على مقترح قدمه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، وهدفت تلك اللجنة التي ترأسها الأمير سلطان بن سلمان في ذلك الحين، إلى وضع برنامج تطوير حضاري تنموي شامل لإبراز الدور التاريخي للدرعية وجعلها مركزاً ثقافياً سياحياً على المستوى الوطني. وضمت اللجنة في عضويتها كلا من: عضو الهيئة العليا لتطوير منطقة الرياض رئيس مركز المشاريع والتخطيط بالهيئة (سابقاً) المهندس عبد اللطيف آل الشيخ، ووكيل وزارة التربية والتعليم للآثار والمتاحف (سابقا) الدكتور سعد الراشد، ورئيس بلدية الدرعية (سابقا) المهندس حسن بن عبد الرحمن آل الشيخ، وعدد من المختصين. وفي عام 1419ه صدر الأمر السامي الكريم بالموافقة على البرنامج المقترح لتطوير الدرعية، على أن تتولى الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض مسئولية تنفيذه، وتشكيل اللجنة التنفيذية العليا لتطوير الدرعية برئاسة سمو رئيس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وعضوية كل من: سمو الأمين العام للهيئة العليا للسياحة (آنذاك)، وسمو محافظ الدرعية، ومعالي أمين دارة الملك عبد العزيز، وعضو الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض رئيس مركز المشاريع والتخطيط بالهيئة، ووكيل وزارة المالية لشؤون الميزانية والتنظيم، ووكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية لتخطيط المدن، والرئيس التنفيذي للشركة السعودية للكهرباء، ومدير عام المياه بمنطقة الرياض، ورئيس بلدية محافظة الدرعية، ومدير عام القطاع الأوسط بشركة الاتصالات. وعملت اللجنة على اتخاذ عدد من الإجراءات التي نفذت مجموعة من الدراسات المتخصصة ووضعت التصاميم المتنوعة وفقاً لأهداف التطوير، وبرز منها إقرار الخطة التنفيذية النهائية لتطوير الدرعية والتي اشتملت على مجموعة من البرامج والمشاريع، التي تتولى الهيئة العليا لتطوير الرياض تنفيذها بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والآثار وبالتنسيق مع محافظة وبلدية الدرعية والجهات ذات العلاقة. وعملت الهيئة العامة للسياحة والآثار مع الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض من خلال توصيات "اللجنة التنفيذية العليا لتطوير الدرعية"، لبلورة الفكرة الأساسية للمشروع والعمل على تفاصيله، وتوجيهه نحو التطوير المتوافق مع أعلى المعايير الدولية والتجارب الناجحة في تطوير المواقع التراثية، وقدمت هيئة السياحة ما تملكه من معرفة في تطوير المواقع السياحية، وأسهمت فيه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بخبرتها العريضة في الإشراف على المشاريع الكبرى، مع الاستعانة بإسهامات عدة جهات في مجالات عملها من أبرزها محافظة الدرعية، ودارة الملك عبد العزيز. وتولت الهيئة العامة للسياحة والآثار في مشروع تطوير الدرعية الإسناد الفني والعلمي المتخصص للمشروع، والمشاركة في مراجعة وتقييم المخططات الهندسية لمشاريع حي الطريف، وباقي أحياء الدرعية التاريخية، إلى جانب تنفيذ أعمال التنقيب الأثري الاستطلاعي في الموقع، والإشراف على أعمال حفريات البنية التحتية لحي الطريف للحفاظ علي أي ظاهرة معمارية. من جانبها تولت هيئة السياحة والآثار مراجعة سيناريوهات العروض المتحفية، والمشاركة في إعداد خارطة بمواقع الأحداث التاريخية في حي الطريف والدرعية التاريخية، والمشاركة في وضع الأفكار الأولية والتصور العام لتصميم حي البجيري وحي الطريف، على أن تتكفل السياحة والآثار بتشغيل الموقع بما في ذلك تحويل حي الطريف الذي يحوي قصر الحكم ومؤسسات الدولة السعودية الأولى إلى متحف حي وسط منظومة من الأنشطة المتعددة، لاستيعاب الأنشطة الثقافية والاجتماعية والتراثية، إضافة إلى جذب الاستثمار السياحي للمشروع بعد انتهائه، وتطوير منتجات سياحية في المدينة التاريخية مثل أنشطة الحرفيين، ومحلات الهدايا والتذكارات، والمأكولات الشعبية، وتشغيل مركز الزوار. ويعد حي سمحان في الدرعية من المواقع التي استلمتها الهيئة العامة للسياحة والآثار لتنفيذ مشروع لإعادة تأهيله وتحويله إلى فندق تراثي سيكون باكورة مشاريع الشركة السعودية للضيافة التراثية التي أطلقتها الهيئة العامة للسياحة والآثار مؤخراً، بمشاركة صندوق الاستثمارات العامة وعدد من شركات القطاع الخاص. وتقوم الهيئة العامة للسياحة والآثار بإعداد خطة تشغيلية لاستغلال الموقع (اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتراثيا وسياحيا) وتحويله إلى نزل تراثية بحيث يتم إحياء الموقع وإحداث التفاعل الايجابي بين البيئة المحلية من جهة بما تمثله من منتجات محلية وتراثية وحرف يدوية والخطة السياحية التراثية للموقع. وجرى التنسيق لإعادة تأهيل الموقع مع أحد بيوت الخبرة الاسبانية للتعاون في مجال الحفاظ على الحي وفق المعايير الدولية. وقد أنهت الشركة الأسبانية "المجموعة الدولية للترميم" إعداد دراسات المرحلة الأولى "الدراسات الميدانية" والتي شملت الرفع المساحي والمعماري ورفع الأنقاض وكشف الأساسات والحالة الإنشائية للمباني التراثية وتحليل التربة والدراسات التاريخية، فيما تشمل المرحلة الثانية التي تمت ترسيتها التصاميم المعمارية والمخططات التنفيذية والتفصيلية للمشروع. وتكمن فلسفة المشروع في المحافظة على المباني القائمة في حي سمحان بجميع عناصرها المعمارية، من خلال معالجتها وترميمها بما يحافظ على مفرداتها وخصائصها التي تجسد البيئة المجتمعية والثقافية والاقتصادية، وتعكس نمط الحياة في الدرعية ممثلة في هذا الحي التاريخي، وفي حال المباني المتهدمة والمطمورة بشكل كامل، فإن الهيئة مع شركائها تعملان على إعادة بنائها باستخدام مواد البناء الأصلية التي شيدت بها منذ بداية تأسيسها الأول لتحافظ بذلك على عبق الماضي وعراقته، وتحمل عناصر الحداثة في الوقت ذاته. وعملت هيئة السياحة على إجراء أعمال البحث العلمي في موقع حي الطريف، وشكلت فريقاً متخصصاً من قطاع الآثار والمتاحف في الهيئة لإجراء التنقيبات الأثرية بالموقع، وذلك لتحديد معالم المباني والمنشآت، وتحديد فترات المراحل المعمارية، والمراحل السكنية، وأعمال التسجيل والتوثيق في الموقع. وأنهت هذه الأعمال في عدد من الوحدات الموجودة في الموقع مثل: جامع الإمام محمد بن سعود، وقصر إبراهيم، وقصر سلوى، وقصر مشاري، وقصر تركي، وقصر فرحان، والوحدات والمنشآت المائية في الموقع. وصدر عن الهيئة العامة للسياحة والآثار تقرير مفصل ومصور عن النتائج الأولية للأعمال الميدانية في حي الطريف، متضمناً المعلومات التاريخية، والطبقات الأثرية والعناصر المعمارية، والمراحل السكنية، والمراحل البنائية لكل موقع.وتوجت جهود الدولة في حماية الدرعية التاريخية، وما يحظى به الموقع من أهمية تاريخية، باعتماد ضم الموقع لقائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو في عام 1431ه – 2010م. وجاءت "الدرعية التاريخية" الموقع السعودي الثاني المسجل في قائمة التراث العالمي بعد موقع الحجر (مدائن صالح) الذي سجل في قائمة التراث العالمي التابع لليونسكو عام 1429ه – 2008م، وتلا موقع الدرعية التاريخية موقع جدة التاريخية الذي تم تسجيله في العام 1435ه – 2014م. وحظي موضوع تسجيل الدرعية التاريخية في قائمة التراث العالمي باهتمام خاص ومتابعة من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار عضو اللجنة العليا لتطوير الدرعية، وقد صدرت موافقة المقام السامي الكريم على تسجيل حي الطريف بالدرعية التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي والرفع إلى لجنة التراث العالمي بطلب تسجيل الموقع، وسلمت الهيئة ملف ترشيحه إلى منظمة اليونسكو في بداية عام 1430ه، ثم قام رئيس منظمة اليونسكو بزيارة لحي الطريف في ربيع الأول لعام 1430ه، وقامت الهيئة العامة للسياحة والآثار بإنجاز عددٍ من الخطوات، التي شملت تأسيس إدارة للإشراف على تراث الدرعية التاريخية ضمن قطاع الآثار والمتاحف بالهيئة، وإعداد الدراسات المتخصصة والدورات التدريبية للقوى العاملة في مجال حماية التراث، بجانب اتخاذ تدابير الحماية المشددة لحفظ تراث الدرعية وفق مقررات نظام الآثار واللوائح التنظيمية للهيئة العامة للسياحة والآثار، واعتماد الاعتبارات الثلاثة فيما يخص تطوير حي الطريف وهي الأصالة والقيمة العالمية المميزة وتكامل العناصر لتأهيل الطريف للتسجيل على قائمة التراث العالمي.