إن حرص أمانة محافظة جدة في هذه الأيام على نقل حقوق تنفيذ مشاريع الكورنيش من القطاع الخاص إلى القطاع العام بحجة تمكين المواطن من الاستمتاع بواجهات الكورنيش بدون استغلال واحتكار تجاري أمر يدعو إلى الاستغراب، طبعاً هذا التوجه لايعبر عن منهج الاقتصاد السعودي الذي يشجع القطاع الخاص على لعب دور أكبر في حياتنا الاقتصادية. في العموم يأخذ الاقتصاد السعودي بنظام اقتصاديات السوق، وأهم مبادىء اقتصاديات السوق هو دفع القطاع الخاص للمساهمة في النشاط الاقتصادي الوطني، وبالذات في بناء المشاريع التنموية والسياحية. وإذا استعرضنا دور القطاع الخاص في المشاريع الترفيهية في الواجهة البحرية بكورنيش جدة.. نجد أن له دوراً واضحاً ومهماً ومؤثراً في بناء مؤسسات ترفيهية ناجحة، صحيح أن رسوم هذه الأماكن مرتفعة، إلاّ أن أسعارها يمكن أن تكون محل تفاوض بين الأمانة والقطاع الخاص. دعونا نتساءل ماهي المساحات التى أقام عليها القطاع الخاص مشاريعه الترفيهية على طول كورنيش الواجهة البحرية التى يمتد طولها لأكثر من 200 ميل شمالاً وجنوباً؟ إن مجموع المساحات التي نفذ عليها القطاع الخاص مشاريعه الترفيهية لاتتجاوز ال 5 كيلومترات من 200 ميل وهنا يطرح السؤال نفسه: أين الأمانة من المساحات التي مازالت متاحة وهي مساحات شاسعة واسعة؟. إن حرص أمانة محافظة جدة في هذه الأيام على نقل حقوق تنفيذ مشاريع الكورنيش من القطاع الخاص إلى القطاع العام بحجة تمكين المواطن من الاستمتاع بواجهات الكورنيش بدون استغلال واحتكار تجاري.. أمر يدعو إلى الاستغراب! طبعاً هذا التوجه لايعبر عن منهج الاقتصاد السعودي الذي يشجع القطاع الخاص على لعب دور أكبر في حياتنا الاقتصادية. ونحن لا نعترض على المبدأ الجميل الذي تُلَوّح به أمانة محافظة جدة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه مرة أخرى هو : هل المشاريع الترفيهية التي قام بتنفيذها القطاع الخاص في الواجهة البحرية لاتمكن المواطن من الاستمتاع بالواجهة البحرية؟، ثم هل تستطيع الأمانة أن تحل محل القطاع الخاص بنجاح في تنفيذ المشاريع الترفيهية على الواجهة البحرية؟!. إننا نخشى أن تفقد المشاريع الترفيهية الناجحة التي نفذها القطاع الخاص في بعض مناطق الكورنيش الكثير من جمالها إذا سحبت من القطاع الخاص وتولتها الأمانة، ولنا تجربة سابقة مع أمانة جدة حينما سحبت بعض المشاريع من القطاع الخاص وتحول مكان بحيرة القطار وبعض المنتزهات الأخرى إلى أراض جرداء لفترة تزيد على الخمسة عشر سنة! ولا أدري لماذا تطلق الأمانة تهمة الاستغلال والاحتكار على مشاريع القطاع الخاص في كورنيش جدة، وهي التي كانت تتحايل على رجال الأعمال وترجوهم أن يتقدموا لإقامة مشاريع ترفيهية تزين الواجهة البحرية التي كانت ساحلاً قاحلاً ينعق فيه البوم، وكان الدكتور محمد سعيد فارسي الأمين الأسبق يتهم أهالي جدة بأنهم يعطون ظهورهم للبحر!. إن أقل مايجب أن تقوم به الأمانة هو أن تشكر كل من وقف معها من رجال الأعمال، وجازف بتنفيذ العديد من المشاريع الترفيهية الناجحة في الواجهة البحرية، وإذا كانت الظروف انقلبت الآن لصالح الأمانة بعد أن أسهم رجال الأعمال في جعل الكورنيش متنزهاً جاذباً وجميلاً، فإن من حق الأمانة أن تدعو رجال الأعمال للجلوس على مائدة المفاوضات للبحث في تحسين الخدمات وخفض أسعار رسومها حتى تكون في متناول القطاع الأكبر من المواطنين والوافدين، وبذلك يتحقق هدف الأمانة وهو تمكين الناس من الاستمتاع بالبحر بأسعار في متناول الجميع دون الإضرار بالقطاع الخاص الذي قام بتنفيذ مشاريع ناجحة على طول الواجهة البحرية. إنني أؤكد بأن قيام القطاع الخاص بتنفيذ مشاريع ترفيهية في الواجهة البحرية لجدة ليس فيه استغلال واحتكار، وإذا اعتبرت الأمانة المشاريع الترفيهية التي أقيمت في الواجهة البحرية استغلالاً واحتكاراً، فإنها شريكة في هذا الاستغلال والاحتكار، لأنها هي التي طلبت من رجال الأعمال أن يتقدموا لإقامة هذه المشاريع، وهي التي وضعت عقودها، وهي التي وقعت معهم عقود إقامة المشاريع التجارية على الكورنيش، وكل الذي فعله رجال الأعمال أنهم ضحوا وضخوا رؤوس أموالهم في مشاريع لم تكن في ذلك الوقت واعدة بالنجاح والأرباح. وما يجب أن نشير إليه هو أن الأمانة ارتكبت خطأ جسيماً حينما أعطت تصريحاً ببناء مشاريع ترفيهية في قلب البحر، وهي من حسن الحظ قليلة جداً، هذه المشاريع يجب أن تزال لتمنح الناس فرصة الاستمتاع بالبحر المترامي الأطراف. إن سحب المشاريع القائمة التي تكلفت ملايين الملايين من الريالات من رجال الأعمال دون النظر إلى الأضرار التي سوف تلحق برأس المال الوطني فيه تعسف وفيه إضرار بالقطاع الخاص، في الوقت الذي تحرص الدولة على دعم كل قوى السوق للمساهمة في بناء الاقتصاد الوطني. إن خطط التنمية وبالذات الخطة العاشرة تُعَوّل على القطاع الخاص للعب أدوار مهمة في مشاريع التنمية المستدامة، ولاشك أن تجربة سحب المشاريع الناجحة على الواجهة البحرية من القطاع الخاص يعتبر مؤشراً محبطاً لرجال الأعمال، وسوف يعرقل اندفاع القطاع الخاص نحو المساهمة في تنفيذ مشاريع التنمية الوطنية، وبالذات مشاريع التنمية السياحية.