الموقف من الحضارة الغربية، هو واحد من الموضوعات التي يدور حولها الجدل في دوائر الفكر والثقافة والسياسة والاقتصاد والاجتماع، على امتداد وطن العروبة وعالم الاسلام. بل وفي كل امم ودول وحضارات وقارات الكوكب الذي نعيش فيه .. بل لقد غدا هذا الجدل ، حول الموقف من الغرب الحاضري ، واحدا من ابرز اسباب الانقسامات الحادة في العقل العربي والمسلم .. تتشرذم بسببه طاقات كثير من المفكرين والساسة والمثقفين .. بل وتتحول بسببه هذه الطاقات الى "سلب" بدلا من "الايجاب" و"فاقد" بدلا من "العائد" عندما تتبدد في صراح ثقافي داخلي، يجعل بأس امتنا بينها شديدا الامر الذي يجعلها - حتى دون ان تقصد - رحيمة على الأعداء؟ وإذا كان نهضتنا - التي هي طوق نجاتنا من " الانقراض الحضاري" - مستحيلة دون استدعاء وتوحيد اغلب طاقات الأمة، وخاصة الفكرية والثقافية والسياسية - نظرا لكثرة التحديثات وشراستها - فإن حسم الخلاف حول هذه القضية - الموقف من الحضارة الغربية - يتجاوز فضيلة - بل وفريضة - الحوار والحسم لقضية من القضايا المثيرة للنزاع الى حيث يصبح واحدا من شروط تمكين الأمة من ان تمضي على طريق النهضة وهي مستجمعة لطاقاتها الحقيقة، ومتمتعة بعافيتها الطبيعة .. وذلك بدلا من وضعها الراهن .. وضع الذين هم رحماء على الآخرين، اشداء على انفسهم ، وبأسهم بينهم شديد. وفي اعتقادي أن الطريقة المثلى لاستدعاء العقل العربي والمسلم الى كلمة سواء في هذه القضية ، هي رهن بالمنهج الذي يتناولها عبر تحقيقه لشرطين اساسيين: أولهما: تصحيح مسار الحوار والجدل حول هذه القضية .. فبدلا من أن يكون الموضوع. - ما موقفنا من الغرب؟ .. فلنجعله: - ما موقف الغرب منا؟ فلعل جميع الفرقاء باكتشافهم حقيقة موقف الغرب الحضاري منهم جميعا، ان يصلوا الى ارض مشتركة ومرفأ واحدا ، وكلمة سواء. وثانيهما: أن نستدعي نصوص الغربيين انفسهم، لا من دائرة واحدة من دوائر حضارتهم ، وانما من مختلف دوائرها ، حول موقفهم هم منا .. فلعل شهادتهم تنير لعقلنا العربي والمسلم سبيل الحكم العادل في هذا الموضوع. إن الغرب الحضاري جبهة طويلة، متعددة المواقع والتخصصات .. وايضا متميز في درجات نظرتها وموقفها من الحضارات الاخرى - وفيها الاسلام والمسلمون - وان الاخطاء المنهجية في محاولات استكشافنا لموقف الغرب منا، الوقوف عند موقع واحد من مواقع هذه الجبهة الغربية الحضارية، دون سواه.. وآخرون لا يرون من الغرب الحضاري إلا جبهة السياسة، التي تتخذ من قضايانا السياسية مواقف ظالمة في أغلب الاحيان. بينما فريق منا يركز كل انظاره على الغرب الذي يحجب عنا العلم النافع، في ذات الوقت الذي يمطرنا فيه بثقافة واعلام الخنا والفسق والفجور والعنف والانحلال ؟ على حين يتجاهل فريق منا هذه الجبهات، ليقف عند ايجابيات الحضارة الغربية - وهي كثيرة جدا - فيتخذ لنفسه موقع المعجب المبهور؟ بل ان منا من لا يحسن الظن بالغرب الحضاري، لكنه ينحاز الى المبشرين بنموذجه ، لا لشيء إلا لرفضه تيارات الجمود والتقليد في واقعنا الاسلامي؟ولهذا .. تشتد حاجتنا الى نظرات موضوعية في موقف الغرب الحضاري من حضارتنا الاسلامية.. من خلال النصوص والمواقف المعبرة بأمانة عن آراء وقناعات دوائره المتعددة لنصل عبرها نحن العرب والمسلمين الى كلمة سواء في هذه القضية التي تمزق منا الصف والعقل والوجدان.. مالك درار