اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية للعام الجاري -وهو حدث هاديء نسبيا في العادة- ربما يؤدي إلى تصعيد الصراع الثقافي المستمر منذ وقت طويل بين العرب واليهود على هوية المدينة المقدسة. وما زال العرب يعتبرون القدس مدينة عربية بينما يعتبرها اليهود مدينة يهودية بعد 61 عاما من قيام دولة إسرائيل الذي يشير إليه الفلسطينيون باسم "النكبة". وتريد إسرائيل القدس عاصمة أبدية موحدة لها لكن منذ توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993 كانت المدينة محل مفاوضات مع القيادة الفلسطينية التي تريد جزءا منها على الأقل عاصمة لدولة فلسطينية في المستقبل. ويشكو الفلسطينيون من أن إسرائيل تعمل على تقويض مسعاهم لتصبح القدس عاصمة لدولتهم مستقبلا وذلك باستخدام عدة أساليب على رأسها بناء مستوطنات يهودية تعزل القدسالشرقية عن الضفة الغربية وممارسة التمييز ضد سكان المدينة العرب لدفعهم إلى الرحيل منها. وذكر ابراهيم أبو الهوى أحد سكان القدس أن إبقاء الفلسطينيين فقراء وسيلة تتبعها إسرائيل لطمس ثقافتهم. وقال أبو الهوى "ما عنديش عمل. انا اعطي اولادي كل يوم شيكل حتى يشتري دفتر. هذه الثقافة. هم بدهم يمحوا الثقافة. اولادنا ما نقدر نعلمهم لانه ما فيش يد عون النا ومساعدة النا حتى نعلم اولادنا. فبتودي اولاد ابن السادس ابتدائي بطلعوه من المدرسة يروح يشتغل. ليش ما فيش ناس يعينا على الحمل الثقيل اللي منحمله على اكتافنا." وكان قرار أصدرته محكمة إسرائيلية في فبراير شباط الماضي بإجلاء 1500 فلسطيني وهدم 88 منزلا في منطقة سلوان بالقدسالشرقية العربية على أساس أنها بنيت بدون ترخيص قد أثار انتقادات واسعة النطاق من جماعات حقوق الإنسان. وقال مسؤولون بمجلس المدينة الذي تسيطر عليه إسرائيل وفقا لرويترز نه لا توجد خطط لإجلاء الفلسطينيين ولا هدم منازل في سلوان على الفور لكن نير بركات رئيس بلدية المدينة أكد في بيان أن من المخطط تحويل المنطقة إلى حديقة عامة. ويعتقد الفلسطينيون أن الدافع الحقيقي هو التطهير العرقي في إطار خطة إسرائيل لإخراج السكان العرب تدريجيا من المدينة و"تهويدها". وقال فلسطيني آخر من سكان القدس يدعى فخري ابو دياب "فيه سياسة عامة إسرائيلية هي طمس الحضارة والثقافة العربية في هذه المنطقة وتبدأ بداية من الأشياء البسيطة اللي هي تغيير حتى أسماء الشوارع. وهذا حاصل عندنا في هذه المنطقة. يعني تغيير اسم الشوارع من الأسماء العربية المتعارف عليها إلى أسماء توراتية وأسماء عبرية. اثنين من ناحية الثقافة حتى يعني في الحياة اليومية بتحاول إسرائيل تغزونا من ناحية ثقافية وطمس حضارتنا وطمس معالمها." وذكر إسماعيل التلاوي منظم احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 أن القدس كانت على مر التاريخ ملتقى لكل الحضارات الإنسانية. وقال التلاوي بمكتبه في رام الله بالضفة الغربية "منذ خمسة آلاف عام أو أكثر كانت كل الحضارات التي نتغنى أو تتغنى بها الإنسانية مرت من هنا فالقدس تحمل في طياتها كنوزا ثقافية ليست فقط ملكا للفلسطينين أو للأمتين العربية والإسلامية بقدر ما هي ملكا أصبحت للإنسانية جمعاء." ويأتي اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009 ضمن برنامج عواصم الثقافة العربية الذي تنفذه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (اليسكو) والذي بدأ في القاهرة عام 1997 برعاية منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو). وتبدأ الاحتفالات رسميا في بيت لحم أقرب مدن الضفة الغربية إلى القدس وذلك بسبب القيود التي تفرضها إسرائيلي على الأنشطة الفلسطينية في المدينة وعلى دخول الفلسطينيين إليها.