مناضلون قدامى في منظمة التحرير الفلسطينية يجتمعون كل يوم في احد المكاتب الفلسطينية في عمان لينسوا موتهم غير المعلن وماضيهم الذي لفه النسيان، هؤلاء هم الاشخاص الذين اختارت المخرجة الاردنية - الفلسطينية ساندرا ماضي تسليط الضوء عليهم في شريطها "ذاكرة مثقوبة".وعرض الفيلم ضمن فعاليات مهرجان افلام الواقع في مركز جورج بومبيدو في باريس مساء الاثنين ضمن المسابقة الرسمية في الدورة ال31 من المهرجان الذي يستمر لغاية 17 مارس. والفيلم يهدف الى تصوير الحالة الفلسطينية الراهنة وابرازها من خلال ما آلت اليه حياة هؤلاء المقاتلين السابقين ومعاقي الحرب الذين نفذوا عمليات جعلت منظمة التحرير تخرج الى حيز الوجود وتنال فيما بعد الاعتراف الدولي.وقالت ساندرا ماضي لوكالة فرانس برس عقب عرض الفيلم "لم يكن همي الكلام عن الماضي وانما الحديث عما آلت اليه الاوضاع اليوم بالمقارنة مع ذلك الماضي وتصوير الانحدار الذي وصلت اليه الحالة الفلسطينية حيث الجو العام مخيف في ظل غياب الافق السياسي وفقدان الامل".وصورت المخرجة المولودة في عمان عام 1976 في شريطها الوثائقي الثالث ملل هؤلاء الرجال والرتابة التي تعتري يومياتهم الفارغة من اي شيء له معنى بل التي تحتشد بتفاصيل اليومي الصعب ومؤشرات الموت البطيء. لكن محاولة التسلل الى هذه الحكايات الصغيرة التي تصنع الذاكرة الفلسطينية على امتداد شتاتها والسعي لالتقاطها وهي تروى شفهيا لم تكن بالامر السهل على المخرجة التي سجلت صورة الشريط بنفسها كما انتجته."بفضل تيريز هلسة تمكنت من دخول المكتب وتعرفت على بقية الشخصيات" تقول ساندار ماضي بخصوص تيريز التي تحولت من مناضلة وقائدة عمليات شاركت في خطف طائرة الى مطار اللد الى مجرد مسيرة لشؤون المساعدات مثلها مثل كل الآخرين الذين يضمهم المكتب. وتقدم تيريز هلسة في سلوكها نموذجا للاستقامة والعمل المخلص ولا تجد تلك المراة مناصا من البكاء حين تكتشف عجزها امام تدافع مناضلين قدامى للحصول على مال رمزي قليل يقدم اليهم ليعينهم بعض الشيء على مواجهة شح ايامهم وشيخوختهم واعاقاتهم. وتبدو تلك السيدة قليلة الحيلة عاجزة عن المساعدة فتداري بالكلمة والصبر وتصبير الآخرين ونصحهم في غياب اي دعم انساني حقيقي من قبل السلطة الفلسطينية لهذه الحالات. وفي مشهد من اكثر مشاهد الفيلم تاثيرا لا تجد تيريز هلسة حيلة امامها الا دموعها وصورة الزعيم الراحل ياسر عرفات المعلقة في المكتب والتي تحاورها متسائلة ان كان على علم بما آلت اليه امور هؤلاء الاشخاص المتقدمين في اليأس كما في الاعمار. ولا يخلو الفيلم الممسوح بالحزن من كثير من الدعابة والسخرية السوداء النابعة من المواقف التي تعيشها الشخصيات يوميا والاستعادات التي تطرأ على ذاكرتها المنسية في غمرة ما يجري. ومن مثل ذلك مشهد تكريم يتم بين ثلاثة من قدماء المناضلين ولا احد ليعلم بالخبر الا كاميرا ساندار التي التقطت سوريالية المشهد وعبثيته ولكن ايضا استمراره رغم كل شيء. "فلسطين تشتت قضيتها لكن التاريخ يسجل كل شيء" يستطرد احدهم في الشريط. "ما يحدث الآن يقوي من معنى الفيلم ويرفده والفيلم يضيء على ما يحدث في الساحة الفلسطينية من انقسامات وتشرذم وفساد" تقول المخرجة. و"ذاكرة مثقوبة" هو الشريط الوثائقي الثالث لساندرا ماضي وسبق له الفوز بجائزة السيناريو في ملتقى "العربية" للأفلام الوثائقية عام 2007. وكان شريط ساندرا ماضي الثاني "قمر 14" تناول حياة لاعب الملاكمة الأردني فرج درويش ومن خلاله نقل طبيعة الحياة التي يعيشها الشباب في بيئة المخيمات الصعبة. وانجزت ساندرا قبل ذلك شريطا قصيرا عن الكاتب الاردني محمد طميلة بعنوان "بعيدا عن هنا" وهي تخرجت من المعهد العربي للفيلم عام 2006 وعملت كمخرجة وممثلة مسرحية حيث ادت ادوارا عدة وفازت بجوائز.