كانت الكعبة المشرفة وستبقى مهوى أفئدة المؤمنين في كل ركن من أركان هذا العالم .. إليها يحج المشتاقون إلى الله في كل عام .. ونحوها تضرب أكباد الأبل .. وإليها تتحرك القلوب قبل الأجساد .. تفد اليها في كل سنة - ومنذ عمق التاريخ - النفوس البيضاء , والقلوب الشفيفة , والارواح المشتاقة .. حيث يغسلون أردان قلوبهم واجسادهم بالطواف حول البيت العتيق , وبالوقوف في صعيد عرفات الطاهر , وبرمي الجمار في وادي منى .. رحلة ايمانية باذخة الثراء رغم بُعد الشُقّة وعناء المُرتحل .. مشاق في الطريق لامثيل لها , ومصاعب لا قرين لها , وأهوال يشيب لها الوالدان , الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود .. ولكنه الحج .. وفي سبيله ترخص الارواح ويهون الصعب والاصعب .هنا في ( البلاد ) نقدم هذا التقرير المصور لهيئة الحج قديما , وتحديدا طرقه ومسالكه ومخاطر رحلته المرتهنة على كف القدر. أمنية العمر: كتب الرحالة والمؤرخون عن طرق الحج , وتناول الباحثون مشهد الحج قديما بشكل مفصل , فأضفوا على هذا الجانب قيمة تاريخية توثيقية تحتاجها المكتبة الاسلامية بل والعالمية باعتبار الحج عالميا , وصفوا شوق المؤمنين للوصول الى الديار المقدسة وكيف كان الحجاز شغفا فارها في اعماقهم , وكانت الكعبة المشرفة والمشاعر المقدسة ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنية العمر , التي لا تدانيها امنية فشدوا رحالهم صوبها رغم أهوال الطريق وبعد السفر , وهنا مقتطفات مما كتب عن رحلات الحج قديما . يقول الاستاذ عبد الله بن حمد الحقيل (الجزيرة 6 اكتوبر 2014 ) : أوضح لنا المؤرخ حسن عبدالوهاب بتفضل أسماء طرق الحج بتفضيل أسماء طرق الحج البرية بالمغرب العربي وقال: سلك الحجاج طريقين معهودتين من زمن بعيد: إحداهما: طريق الواحات تمر بجنوب الجزائر والبلاد التونسية لتجتاز بلاد (الجزائر) فبلاد الجريد فالاعراض (قابس) (تونس) فطرابلس فمصر. والثانية: وهي الطريق الشمالي وتقطع الجبال والتلال فتمر بتلمسان فالجزائرقسنطينةبجايةفتونس وتسلك من هناك طريق الساحل إلى قابس فطرابلس فبرقة فمصر على ما تقدم، وكثيراً ما كان يسلك الرفاق الطريق الشمالية في الذهاب والجنوبية في العودة والعكس. وتحدث عن أصعب الطرق البرية على الحجاج المغاربة وقال مبينا خطرها: (واشق مرحلة على المغاربة في سفرهم كله هي مفازة برقة (بني غازي) حيث يلاقون بيداء قاحلة جرداء لا ماء فيها ولا مقر لتجديد الزاد، فمن قطعها يعد نفسه فائزا سعيداً، وما بقي من المسافة فيطويها الحاج على طريق البلاد المصرية الغزيرة العمران إلى أن يصل إلى سواحل بحر القلزم (البحر الأحمر) فيعبره في (مركب) ويقصد أحد المراسي الحجازية كجدة وينبع. وبعد أداء الفريضة وزيارة المدينةالمنورة يقفل الركب راجعاً وكثيراً ما يكون عوده على طريق بيداء شمال جزيرة العرب فيقف بالقدس الشريف ويزور المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ولا سيما قبر خليل الله سيدنا إبراهيم عليه السلام وربما يجتاز إلى بلاد الشام ومنها يرجع إلى مصر سالكاً طريق طور سيناء. وعن عودة الحجاج المغاربة إلى ديارهم وما يتبع ذلك من فرح وسرور وزينة واحتفال شعبي كبير بمقدمهم من الديار المقدسة سالمين قال: فبمجرد وصولهم إلى البلاد المغربية وحلولهم بقرية من قراها يهرع الخاص والعام وتقام الولائم والأفراح بمثل ما احتفل بهم عند تشيعهم بل أكثر من قبل فيسارع إلى إقراء ضيوف الله العائدين وتترنم الجماعات بالأناشيد الشجية. ويكفي أن نشير إلى ما ذكره الرحالة الشهير ابن بطوطة عند مروره حاجا بمدينة تونس وما وصف به أهل البلاد وما لاقاه من سكان الحاضرة من التكريم والتبجيل. ويصف لنا طريق الحجاج المغاربة الساحلي وما يلاقونه في ذلك من أهوال البحر ويقول: أما السفر بحراً فكان يختلف تماماً عن السفر بطريق البر، وذلك أن بعض السفن الإفرنجية تأتي في كل عام إما من جنوة أو من البندقية أو من مرسيلية (فرنسا) أو (أسبانيا) وترسوا بالمرافئ الكبرى لشمال أفريقيا كطنجة ووهران ومدينة بنوة (عنابة) وتونس وصفاقس فتحمل عدداً من الحجاج بأثمان يتفق عليها وتبحر بهم قاصدة الإسكندرية، وما بقي من المسافة يقطع براً فيمر الحاج بالقاهرة فالصعيد (الجهة الواقعة بين النيل والبحر الأحمر) إلى أن يصل إلى مرفأ مواجهة إلى جدة فيستأنف ركوب البحر من مركب شراعي قائداً رابغ أو الليث أو جدة نفسها. وعن خطورة سفر الحجاج المغاربة في الخط البحري قال: ولا مراء أن السفر بحراً كان عرضة للأخطار والعواصف ولا سيما الغرق فكم من سفينة شراعية لعبت بها أمواج المالح فذهبت أدراج الرياح، وروى لنا علماء المغرب فيما بلغنا من رحلاتهم - أهوال البحر إذا هاج وماج وأحوال هذا النوع من الفواجع، ولذلك كنت ترى مراكب الشراع تسير دائماً على مقربة من الشواطئ ولا تفارق البر حتى إذا ما حصل عطب للسفينة أو غرق فاز ركابها بالنجاة من الخطر بالسباحة ولا ننسى الكارثة المؤلمة التي ألمت بالسفينة الإسبانية الحاملة لأسرة المؤرخ التونسي الشهير عبدالرحمن بن خلدون إذ فاجأتها عاصفة مهولة فغرقت بمدخل الإسكندرية بمرأى ذلك العلامة وقد خرج لملاقاة عياله الوافدين من تونس. وحول خطورة القراصنة الذين يتعرضون في البحر لسفن الحجاج المغاربة بالسلب والنهب قال: وهناك خطر آخر لا يقل إيلاماً من الأول يتهدد الحجاج الذين يقتحمون ركوب المالح ألا وهو الوقوع في أسر لصوص البحر (القرصان) وقد كانوا يعيثون فساداً وعناداً - على اختلاف أجناسهم- في أطراف البحر المتوسط، فكم من رجل عظيم ذاق في طريقه إلى أداء الفريضة آلام الأسر ولم ينج من المصيبة إلا بفضل من الله سبحانه وما يبذله أهله من المال لفدائه في تيسر ذلك. وها هي التواريخ المحلية تفيدنا بأخبار غرق الحجاج وتفاصيل فداء الأسارى منهم في القرون الفائتة، ولهذا السبب كان أهل المغرب يفضلون كثيراً الحج براً على السفر بحراً بالرغم من طول المسافة وبعد الشقة وما ينالهم من المتاعب المتنوعة. المغاربة رواد الرحلات: وإذا كان المشارقة قد اشتهروا على المغاربة في ميدان القصة والرواية والأدب فإن المغاربة تفوقوا عليهم في ميدان الرحلات والتاريخ والجغرافية والفلك والمكتبة العربية والإسلامية تزخر بمئات المخطوطات في هذه الفنون ويذكر لنا "وقد قمت بإحصاء تجريبي لعدد الرحلات الحجازية التي ألفت عبر العصور فرأيت الرحلات الحجازية المغربية تأتي في الدرجة الأولى بدون أن ينافسها أي دولة من دول العالم الإسلامي والعربي، ويظن البعض بأن السفر بالطائرة أو بالباخرة إلى الحج قضى على تلك الرحلات ولم يعد أحد يقوم بتدوين رحلته إلى الحج، والحقيقة عكس ذلك، فالمغاربة لا زالوا على عادتهم مهتمين أشد الاهتمام بتدوين رحلاتهم إلى الحج في عصرنا الحاضر، وقد قدم نماذج من رحلاتهم وقد قدم إصداء زيارتهم لمكة وللمدينة المنورة، مدعمين ذلك بصورهم الشخصية، حتى تكتسي رحلاتهم الطابع الفني الذي هو ضروري في أدب الرحلات حتى لا تكون الرحلة جافة ولا طعم لها تبعث على الملل خالية من عنصر الإثارة والتشويق ثم تحدث بعد ذلك عن: الرحالة العبدى الحيحى: الذي سحر الناس ببيانه في رحلته الحجازية (الرحلة المغربية) وشوقهم فيها إلى زيارة الأماكن المقدسة لدى المسلمين مكةوالمدينة في مسجد الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم أنه رحالة فذ عالم مجتهد، مجهول الميلاد والوفاة، لا يعرف له أي ترجمة كل ما هنالك أنه اشتهر اسمه برحلته الحجازية التي حسب بعض النقاد المنصفين تفوق رحلة ابن جبير الشهيرة بلاغة وأسلوباً وبياناً. ومن الذين ذكروه في تأليفهم الرحالة الأندلسي البلوي في رحلته الحجازية (تاج المفرق في تحلية علماء المشرق) حجاج المشرق: وننتقل الى الشرق لنجد ثلاثة باحثين اشتركوا في تأليف أول كتاب تحت عنوان «حملات الحج الكويتية عبر التاريخ» هم: عدنان سالم الرومي، وصالح خالد المسباح، ود. خالد يوسف الشطي. ويعد الكتاب الأول الذي استغرق إعداده خمس سنوات، وفيه توثيق لحملات الحج الكويتية على الإبل وعن طريق البحر. وفيه : إذا أردنا أن نعود بذاكرتنا إلى بدايات حملات الحج في الكويت وكيفية الترتيب لهذه المناسبة، وعن أوائل المهتمّين بهذه الحملات وأصحابها، والسبل المتبعة وطرق المواصلات ومحطات الترحال عبر لمحة سريعة فيما توفر لنا من معلومات متواضعة نرجو أن تكون ذات قيمة. درجت عادة الذهاب إلى الحج على أن يتمّ رفع علم أحمر أو أبيض أو أخضر على أسطح البيوت للدلالة على سفر أحدهم، وكان التقليد الشعبي أن تقوم بنات (الفريج) بحمل سلة صغيرة تسمّى «الحيَّة» وهي زبيل من الخوص تتمّ زراعة بعض النباتات فيها كالحلبة والشعير والرشاد سريع النمو، حينما يتوجّه الحجيج إلى أداء مناسك الحج، وعند اقتراب وصولهم يكون الزرع قد كبر، فإذا فسد فمعناه أن مكروهًا قد حصل، وعندها يذهبن بسلال الزرع إلى البحر ويرددن: (يا حيّتي يا بيّتي ... حيّي لأبوي ... حيّي لأمي) ثم يرمين السلال الحيّة في البحر وهن مسرورات، وهناك عدد من العادات والطقوس ترافق هذا الموسم، منها ما يُعرف «بالبشير» و«العزيمة» و«توزيع الهدايا» مصحوبة بالأهازيج. وكان المرحوم فهد الدويلة المولود عام 1772م صاحب فكرة أول تنظيم لأول حملة حج منظمة من حيث الإعداد والتجهيز، وكان ذلك في عام 1800-1801م، وهي عبارة عن قافلة من الإبل المجهّزة، لذا يعدّ فهد الدويلة صاحب المبادرة، وقد ساعده في ذلك علاقته العميقة مع شيوخ القبائل وحكام الجزيرة العربية التي سهّلت عليه النجاح في الإعداد والتجهيز وتوفير الأمن وإنشاء أول حملة حج كويتية منظمة على الإبل، وقد سارت بالفعل إلى الأراضي المقدّسة على شكل قافلة حاملة الحجيج على الرغم من محدودية إمكانياتها وبساطتها. وفريضة الحج لها مكانة خاصة جدًا في نفوس الكويتيين، لذا كانوا يستعدّون لها مبكرًا، فصاحب الحملة يشتري الجمال قبل موسم الحج ويضعها في الصحراء أو في أحد الحوط التي يمتلكها، كما كان يفعل الحاج حمود الدهام والحاج سليمان الصعب حتى ابتداء موسم الحج، ويكون اختيار صاحب الحملة عادة لإناث الإبل «الزمل»، وذلك لما فيها من الصفات التي تؤهّلها لتحمّل المشاق أكثر من الذكور، ثم يوضع عليها وشم الحملة ببدن الإبل، ليَعرف صاحب الحملة إبله إذا ضلت في الصحراء أو سُرقت . والجدير بالذكر أن الناقة عادة ما تنهك من التعب وتضعف بسبب طول المسير ووعورة الطريق، لذا ما أن تصل الحملة إلى مدينة بريدة حتى تكون قد استنفذت الإبل كامل طاقتها، فيضطر حينها صاحب الحملة لاستبدالها بجمال جديدة سواء بالشراء أو بالتأجير. كما كان صاحب الحملة يجهّز أدوات الركوب من أشدّة للجمال لركوب الرجال، وكذلك الهودج الذي تستخدمه النساء وكأنه مقصورة صغيرة على ظهور الإبل فوق الأشدّة، ويكون مغطى بغطاء مزركش مع وجود شال صوفي أحمر، بالإضافة إلى الطعام الذي يحتاجونه أثناء سفرهم الطويل إلى مكة المكرّمة. وكان الحجاج الكويتيون يتجمّعون عندما يحين موعد قرب الانطلاق في مكان قريب من منزل صاحب الحملة أو قد يكون خارج سور الكويت في منطقة الشامية في الغالب، ثم ينطلقون إلى الصليبخات وهي المحطة الثانية التي يمرّون بها، ثم آبار عشيرج، وبعد ذلك إلى قرية الجهراء لأخذ استراحة فيها وروي الإبل من آبار السليل، ومن الجهراء هناك طريقان: طريق من الجهراء إلى البصرة، والطريق الثاني: يبدأ من الجهراء باتجاه الرقعي السعودي ومنطقة حفر الباطن، وهو طريق حجاج الإبل وطريق القوافل النجدية، وقد تمّ توثيق الطريق من خلال «كتاب دليل الخليج - القسم الجغرافي» الذي كتبه «لوريمر» وعدد من الرواة. وكانت قوافل الحجيج تتجه إلى بريدة وتقوم باستئجار أو شراء إبل جديدة عوضًا عن الإبل المنهكة لاستكمال الرحلة، ثم تنطلق حملات الحج إلى مكة أو إلى المدينة وتسير وفق دروب ومسالك معروفة لدى حملات الحج القديمة، وهذه الطرق تعرف بالطرق البرية للحجاج الكويتيين، ورغم المشقة وطول الطريق إلا أن الكويتيين كانوا حريصين على أداء فريضة الحج. ومع مطلع عام 1954م توقفت جميع حملات الحج الكويتية عن طريق الإبل، وانتقل عدد كبير منها لأداء الحج بواسطة السيّارات، نظرًا لسهولة الطريق وقصر مدّة السفر وراحة الحجاج، فمع ظهور السيّارات اختلف الأمر كثيرًا وأصبحت الرحلات ميسّرة وآمنة وقد وفرت الكثير من الوقت والجهد، ففي بداية الأربعينات بدأت حملات الحج تسيّر رحلاتها بواسطة السيّارات، ولاشك أن ذلك أحدث نقلة نوعية أدّت إلى اختصار مسافة الطريق وصعوبة السفر بالمقارنة مع مرحلة الجمال، فأقبل الأهالي على أداء مناسك الحج بواسطة السيّارات، وكانت عبارة عن سيّارات نقل كبيرة كالباصات التي تعرف باسم «بوعرّام» وسيّارات الشحن الكبيرة «اللوري»، ومن حملات الحج الكويتية التي توقفت رحلاتها على الإبل واتخذت السيّارات واشتهرت بالسمعة الحسنة وحسن المعاملة في الماضي: حملات «الفهد» و«الهديب» و«النمش». وأيضًا كان هناك بعض الحجاج يؤدّون هذه الفريضة بواسطة السفن الشراعية، وأقدم تاريخ لحجاج البحر تمّ الحصول عليه هو سنة 1270ه - 1853م، وفي هذه السنة حج والد الشيخ محمد الصالح الإبراهيم وهو صغير عن طريق البحر، وكان معه شاهين الغانم وعيسى القناعي، والشيخ عبد الله خلف الديحان قاضي الكويت المشهور الذي حج في سنة 1906م ووثق حجته بقصيدة طويلة، وقد كان سفره إلى الحج بواسطة الإبل برًا لكن عودته كانت عن طريق البحر بواسطة السفن الشراعية، وقد يفضّل بعض الكويتيين البحر على البر في أداء الحج، وذلك لفقدان الأمن في الجزيرة العربية قبل توحيدها على يد عبد العزيز آل سعود. وكان هناك طريقان.. الطريق الأول: إلى بومبي ثم جدّة مرورًا ب (أبو شهر والبحرين وقطر ودبي وبندر عباس ومسقط وكراتشي)، ومدّة الرحلة إلى بومبي عشرة أيام ثم الإقامة أكثر من أسبوع بانتظار السفن المغادرة إلى ميناء جدة، والتي تمرّ في طريقها بعمان ثم المكلا وعدن وبربرة في الساحل الإفريقي، وأخيرًا تصل إلى جدة.