حين يحتدم الحوار بين التقليدية والحداثة في الشعرالشعبي،اسافر بذهني الى الحقبة مابعد 1935 ميلادية،وماحدث للأدب من طفرة في أم العلوم (مصر)،وماكان يحدث بين روّاد حركة(إحياءالشعر)وروّادمدرسة (أبولو)،والذي خلق روحاً من التنافس لدى الشعراء والنقّاد والجمهور بإختلاف إنتماء كلا منهم ، فعندما كانت مدرسة الإحياء تدعو إلى إحياء الشعر العربي بنمط العصور الاولى لظهوره وحتى فترة إزدهاره ظهرت حركة (أبولو) والتي استنبطت الاسم من آلهة الشعر عند الأغريق وقامت بتحديث الشعر العربي وإعطاءه رونق الصفة الشعرية الشخصية، والحرية الترميزية لكتابته،واعتماده بشكل كبير على الفلسفة الثقافية لكل شعوب العالم . في حين نجد ان ما يحدث في الشعر النبطي يشبه تماماً ماحدث هناك، فالشاعر التقليدي الذي يقول(عدّيت المرقب اللي) وهو يمسك بجهاز الايباد ويجلس في احد المقاهي يرتشف (الموكاتشينو) يأبى حين كتابة القصيدة ان يُخرجها عن سياق الصور الشعرية التي كُتبت منذ ظهوره، مروراً بحقبة ماقبل ظهور التكنولوجيا،والمتلقي والمتذوق لذلك ايضاً لا يرضى بأن يسمع شعراً خارجاً عن الأوصاف التي اعتاد عليها في الشعر الذي نقله الرواة ، وهذه ذائقتهم ولانستطيع إنكار ذلك عليهم،بل اننا نشاركهم كثيراً فيها احياناً. أما شاعر الحداثة الذي يقول (اشتهى صمت ابيض الجوع تفاح الكلام) وقد نجده في رحلة بريةاوفي مقهى على رصيف بهيّ ولكنه حين كتابة القصيدة لم يقوم بمراعاة ماكُتب في الشعر من قبل او مراعاة البيئة من حوله كانت برية ام مدنية، واعتمد على الفلسفة التعبيريةالتي تستهوي المثقف لفك رموزها، وهي كتابة لاتُكتب الا من مثقف لمثقف، ويعتبر غالباً مربط فرس المعنى هوالقصيدة كاملة وليس في بيت او بيتين ، فالتسلسل والترابط فيها يجب ان يُتقن بناءه . في الشعر التقليدي يمكن للشاعر ان يتكلم عن فكرة واحدة في خمسين بيتاً شعرياً متقناً وفي الشعر الحداثي يمكن للشاعر ان يزرع خمسين فكرة ومعنى في عشرة أبيات متقنة،وانا هنا من خلال زاويتي لا انحاز لفنٍ على حساب فن آخر فلكلٍ منهما جمالياته وروّاده المبدعين، والمشكلة اننا قد نجد من يتقمص دور التقليدية ولايتقنها ويجعلك تنتقدها بسبب سوء شاعريته،وقد نجد من يسيء ايضاً للحداثة ويجعل المتلقي ينتقدها بسبب عدم إتقانه لها،ولكن يجب ان نُقرّ بأنهما عينانِ في رأس الشعر والأدب ولايكتمل الجمال الا بهما، ووجهان مختلفان لعملة الشعر النبطي الباذخة..