أعلنت شبكة بايرن ميونخ قبل أيام أنه بعد انتهاء الاحتفالات والتتويج قامت الحكومة الألمانية برئاسة ميركل بالتبرع بجائزة المونديال المالية والبالغة 35 مليون دولار لصالح حكومة البرازيل لبناء معامل لتشغيل الفقراء. كما تبرَعت الحكومة الألمانية بإدارة المعامل وتوجيهها لدعم الإقتصاد البرازيلي. وختمت الإذاعة الخبر بهذه العبارة: "هذا التصرُف الإنساني والرائع من جانب الألمان لم يسبق لأحد أن فعله، وكان تعقيب مسؤولون ألمان على تلك المبادرة بقولهم: نحن لم نأت من أجل المال بل من أجل المجد #ألمانيا_فوق_الجميع ! استمتعت بقراءة اللفتة الإنسانية حتى استفزَتني العبارة الأخيرة. أينعم ألمانيا دولة لها مركزها واحترامها ولها إنجازاتها الحضارية وريادة في الطب وصناعة المركبات، أضف إلى ذلك تاريخ مشرِف في الشِعر والفلسفة والموسيقى والآن المونديال وأشياء أخرى "الإنسانية" ليست منها..! وكأن الخبر تمت صياغته لتلميع صورة مشوَهة حفظها التاريخ ولن يمحيها الحاضر ولا المستقبل مهما صار. أحدعشر مليون روح انسانيَة، منها ستة ملايين من اليهود ومليون من الأطفال والبقية من المثليين والشيوعيين والمعاقين والمتخلفين عقلياً وأسرى الحرب، كل هؤلاء تمَت تصفيتهم خلال أربع سنوات لا غير في مذبحة الهولوكوست الألمانية الشهيرة. جدير بالذكر أن المليون طفل كانوا قد استخدموا كفئران للتجارب الطبيَة قبل أن يعدموا ونحو ثلاث ملايين بينهم نساء وشيوخ وأطفال تم تجويعهم حتى الموت. هنا ومع إضافة حرفان فقط أكرِر الخاتمة المستفزَة أعلاه "هذا التَصرف اللاإنساني من جانب الألمان لم يسبق لأحد أن فعله". التاريخ هو التاريخ ولست من هواة رثائه أو الوقوف على أطلاله. كما أنني أؤمن بالتَغيير ويسحرني جماله، فلا ينبغي أن يؤخذ ماضي الإنسان ضده إن كان حاضره صالحا، وكذلك الدول والشعوب. لألمانيا أن تتغنَى بفخر بنجاحها في ماتريد وسنصفِق لها بحياد، لكن لتبتعد عن مصطلح "الإنسانيَة" إلا في حال قرَرت الحكومة الألمانيَة أن تتبرَع بما يساوي مساحة دولة فلسطين _قبل الإستعمار_ من الأراضي الألمانية للحكومة الإسرائيلية لبناء دولتهم عليها. قد تكون ألمانيا عوَضت الأقليات الأخرى عن الظلم الذي أوقعته بهم، لكنها أنتجت جيلا وحشيا غاضبا من اليهود وتركته بمباركة بريطانية وأمريكية يصب جام غضبه وانتقامه على المستضعفين من المسلمين بنفس اللاإنسانيَة التي مورست عليهم! نسبة قليلة من اليهود تتعاطف مع الشعب الفلسطيني وتعلم بأن دولة إسرائيل مغتصبة لا شرعيَة لها وترفض الاستيطان فيها. لكن النِسبة الأكبر تطلق على الفلسطينيين وصف الإرهابيين وتريد تصفيتهم عن بكرة أبيهم تماما كما حدث مع أجدادهم بكل تناقض. وبكل برود تبرِر هذه النِسبة لنفسها احتلال الأرض واغتصاب المنازل وقتل الأنفس ولا تبرِر للفلسطينيين المقاومة والهجوم المعاكس! اسمحوا لي أن أقول لا، ألمانيا ليست فوق الجميع طالما غزة تحت القصف!