ما الذي يجعلني أجلس طول الليل والنهار أرثي نفسي وحدي .. إزاء أشياء لم يكن لي فيها أي دور ..؟كل خطيئتي أنني أحببت ذلك الرجل في ذات يوم من الأيام، لست أسميه حبا بالمعنى الصحيح، بل هو انسياق لا إرادي نحوه طوال تلك السنين، حتى أنني خالفت الكثيرين من عائلتي وأسرتي، ولم آبه لأي كلمة حاولوا بها نصحي وإقناعي بالعدول عن مواصلة حبه والالتصاق به ..عفوا أحبتي، لأنني أحببت قاتلي، عشقت ذلك الإنسان الذي دمرني، وحطم كل حلم وكل رغبة إنسانية لي بهذه الحياة. فقد كان هذا الرجل بارعا حقا في عمله ومهمته الكبيرة، ألا وهي تنحيتي عن مجال الرؤية الطبيعي للبشر، وتركي في النقطة العمياء من اللوحة ومن السطور الفارغة. كل ذلك بعد أن تأكد أني مذعنة له وحده فقط، صوته هو الوحيد الذي يمس طبلة أذني، وجهه وحده هو الذي تتوقف عنده حدقتا عيني، وهو وحده من يستطيع أن يتكلم فقط، وحده من يصدر الأوامر والنواهي، وحده من يطفئ كل أنوار الدار بعد أن أشعلها بيدي. هو وحده فقط من يغلق الباب دوني بكل قوته، ضاربا ببكائي وذلي له عرض الحوائط والجدران كلها. منذ الليلة الأولى تمكن من تقييدي من رأسي وحتى إخمص قدمي، تمكن من إسكاتي وتكميم فمي، حتى لا أشكو ولا أتذمر، ولا أعلن عن طغيانه وسلطته للآخرين. لقد سرق مني أجمل وأحلى سنوات عمري، والتي ذهبت ولن تعود أبدا، وملأني بكل أنواع الأوجاع والآلام، وهو يملأ حياته بالغذاء الصحي وأنواع الفيتامينات المتعددة، والعسل الطبيعي، فقط حتى لا يمرض، ولا يصيبه أي سوء، وليظل قادرا على كبح جماحي وسلب قوتي يوما بيوم دون تأخير. أكرهه الآن كثيرا، وبشكل لا يمكن تصوره، أكرهه حين أشعر أني مجرد حشرة يسحقها بحذائه الثمين دون أن يبالي بضعفي وقلة حيلتي، أكرهه حين يشعرني بيدي وقدمي مقيدة جميعا برباط واحد، يمنعني من الحركة وإيصال صوتي للخارج، عل أحدا من الجيران يسمع أنيني وتوجعي، ويحاول إنقاذي من براثن هذا الزوج المختل نفسيا وعاطفيا. كيف لم أدرك ذلك قبل الآن ؟ كيف لم أعلم بأنه يحطم كل يوم مني حلما أو طموحا أو أملا، حتى بت بلا أي حلم أو أمل، لقد حطم أجمل شيء بداخلي، الحب، حبي لنفسي، حبي للحياة، حبي لأطفالي، حبي له، أصبحت ميتة الأحاسيس والمشاعر، امرأة بلا حب ولا عواطف، ميتة بين الأحياء، غريبة بين الأهل والأبناء، منفية في وسط داري وبيتي. وأنا هنا، في وسط هذا اليم الهائج وحدي، وأنا لا أجيد السباحة أبدا، وأعرف أنني أغرق رويدا رويدا، فأنا أتوقف عن التنفس بين كل لحظة وأخرى، زافرة كل أشجاني وندمي ما بين الموج وقيعان البحر المالح، عل أحدا ذات يوم يجدها ملفوفة بورقة تحمل مذكراتي وسيرة حياتي، في قلب القوارير المخبأة في جوف البحر، ليعرضها أمام العالم كله، حينها ربما أخرج من تابوتي، وأعود مرة أخرى، ولكن ليس بصورتي الحالية، تلك المرأة المهزومة، بل سأعود وإكليل النصر يزين جبهتي، وابتسامة الفرح تغمر وجهي وروحي وكل شيء حولي، فهل سيأتي ذلك اليوم حقا أم لا .؟