عندما تتسلل إليك الرتابة ويغدو يومك كأمسك بلا ألوان تبهج روحك، جاهد كثيراً لكي لا ينكَر خيط حياتك في غفلة، اخترع حكايتك الخاصة ودافع كالأبدي للاستيقاظ واللحاق بساعات يومك قبل أن تهرب بعيدة عن مسار قدميك،أجعل لكل يوم أغنية تحرك كريات دمك، تطلقها راقصة أمام مداخل عروقك، اترك لعروقك المكان والزمان لتتمدد في أيامك ببهجة وتألق وعبقرية. استقبل يومك وكأنك تفتح بريدك بلهفة مرتقب رسالة من محب، يطلب فيها موعداً للقائك، ويخبرك أن شوقه أصبح ملتهباً وصبره غدا مؤلماً؛ وعندما ينتهي اليوم بدون لقاء، تأكد أن غداً سيكون فرصة أخرى لتألق يملؤه الشوق والبهجة، فانتظار السعادة ألذ بكثير من اقتناصها. *** مختلف.. بالتأكيد ليس للحب فصل بعينه، لكن إحساسي يقول إنه يكون أجمل عندما يأتي في الشتاء.. الحب في هذا الفصل أسطوري؛ في الشتاء ترتفع الحاسة الشعرية للإنسان بشكل كبير، على عكس حالة جسده الذي يركن إلى الخمول؛ ولعل ليالي الشتاء الطويلة التي عادة ما تكون أقل ضجيجاً وأكثر سكوناً، تدفع الإنسان إلى التقوقع على ذاته وتأمل تفاصيلها، كما تحرك نسائم لياليه الطبقة الرقيقة للستائر التي تحجب الذكريات القديمة والأماني الدفينة في دواخله، ومن عمق سكونه تبزغ الروعة، ويتفجر السحر من متاهات غموضه. في الشتاء تنتعش الروائح ويتركز أريجها، لدرجة تشعر معها أن للأشياء روائحَ خاصة بهذا الفصل فقط؛ كما أن له أصواته الخاصة التي لا يمكن استيعاب مخمليتها عند سماعها في غيره. حتى الحزن.. يأتي في الشتاء بشكل آخر، يأتي مضاعفاً محرضاً على الانغماس فيه، ولكنه لا يأتي مدعاة للشفقة، بل ببهاء وفخر، يأتي كفارس نبيل، مسح تاريخه البهي خسارته الأخيرة؛ ولهذه التفاصيل الخاصة بالشتاء، أتبضع القبعات الصوفية والقفازات، لأتألق في أيامه الغائمة اللذيذة ولياليه الساحرة الطويلة. في فصل بهذه اللذة تتغير فيه الألوان والأصوات والروائح وتتحول إلى قمة الروعة، بالتأكيد سيكون للحب فيه مذاق آخر. *** مساكين.. نخطئ كثيراً عندما نسعى إلى الكمال أمام من نحب، نقوم بخرافات لا حصر لها؛ نبدو متألقين دهراً، لا نبهت ولا نمرض ولا نخضع؛ وهم يخطئون أكثر عندما يعتقدون أننا فعلاً بهذا الكمال؛ أخبرني أحدهم يوماً عن جميلة خدعته فكشفت عن غير ما عشقه فيها من جمال؛ أنهار كشلال خانته الجاذبية، وأعلن سحب ثقته من جنس بأكمله.