تعبر كلمة حداثة (عصرنة أو تحديث) عن أي عملية تتضمن تحديث و تجديد ما هو قديم لذلك تستخدم في مجالات عدة، لكن هذا المصطلح يبرز في المجال الثقافي والفكري التاريخي ليدل على مرحلة التطور التي طبعت أوروبا بشكل خاص في مرحلة العصور الحديثة. بشكل مبسط، يمكن تقسيم التاريخ إلى خمسة أجزاء: ما قبل التاريخ، التاريخ القديم، العصور الوسطى، العصر الحديث والعصر مابعد الحديث. معظم الحياة الحديثة تغذت من مصادر متعددة: اكتشافات علمية مذهلة، معلومات عن موقعنا من الفضاء وتصورنا عنه، مكننة الصناعة التي حولت المعرفة بالعلوم إلى تكنولوجيا، وغيرها. كل هذا يخلق بيئات جديدة للبشر ويدمر القديمة، فهو يعجل حركة الحياة، يبلور أفكارا واتجاهات اجتماعية وسياسية ودينية، يكون قوى وسلطات جديدة، يعقّد العلاقات بين الناس وبعضهم وبين الناس والمؤسسات المختلفة، يزيد أو يغير اتجاهات الصراعات الطبقية ويفصل الملايين من البشر عن تاريخهم وعاداتهم الموروثة منذ الأزل. الحداثة تشمل مجموعة من التغييرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالإضافة إلى أخذ تلك التغييرات على أنها عصرية. الجدل حول الحداثة يتناول هذه التغييرات التي يبدو أنها بدأت في أوروبا في أواخر القرن الخامس عشر أوبداية القرن السادس عشر. بعض المفكرين يؤرخون بداية الحداثة عام 1436، مع إختراع غوتنبيرغ للطباعة المتحركة البعض الآخر يرى أنها تبدأ في العام 1520 مع الثورة اللوثرية ضد سلطة الكنيسة. مجموعة أخرى تتقدم بها إلى العام 1648 مع نهاية حرب الثلاثين عام ومجموعة خامسة تربط بينها وبين الثورة الفرنسية عام 1776 أو الثورة الأمريكية عام 1789 وقلة من المفكرين يظنون أنها لم تبدأ حتى عام 1895 مع كتاب فرويد "تفسير الأحلام" وبدأ حركة الحداثة في الفنون والآداب. بالرغم من أن الحداثة تربط عادة بالتقدم التكنولوجي إلا أن التغييرات الفكرية كانت الأكثر تأثيرا، تشمل التغييرات الفكرية السياسة والاقتصاد والدين وعلم الاجتماع. وبالرغم من أن ابن خلدون هو من وضع أسس علم الاجتماع، إلا أن الحديث عنه لم يأخذ منحنى مؤثرا في المجتمعات حتى ظهر المفكرون الحداثيون. فكرة ديكارت عن كوسموبولس مثالية ألهبت خيال المفكرين في القرون الثلاثة التالية وأنجبت العديد من رواد العدالة الاجتماعية والمدن المثالية نسجاً على منوال "المدينة الفاضلة" لتوماس مور. كانت الأفكار تميل إلى البحث عن العدالة الاجتماعية ورفض الإقطاع والطبقية التي كانت سائدة في أوروبا في ذلك الوقت وتدعو إلى مجتمع فاضل يحصل فيه الجميع على حقوق متساوية. أدت هذه المدارس الفكرية إلى ظهور العديد من المدارس السياسية والاقتصادية القائمة عليها وأدت تلك بدورها إلى تغيير النظم الحاكمة في أوروبا وحدوث الثورات الاجتماعية والسياسية مثل الثورة الفرنسية والثورة البلشفية. من المفكرين الحداثيين الذين أثروا في علم الاجتماع فرديناند تونيز وإميل دوركهيم وماكس ويبر بالرغم من المثالية في علم الاجتماع وبالرغم من غلبة العدالة الاجتماعية إلا أن خطين رئيسيين ظهرا في الاقتصاد الحداثي، الرأسمالية والتجارة الحرة بقيادة آدم سميث والماركسية والشيوعية التي دعا إليها كارل ماركس. إلا أن السخط على رجال الدين والتبرم من سيطرة روما على الدول لم يكن هو التغيير الوحيد. معظم الفلاسفة السياسيون يعتبرون ميكافيللي وهوبز وبودين، والبعض قد يضيف لوثر أيضا، كمفكرين نظروا للتغيرات في الواقع السياسي ومهدوا الطريق للدراسات السياسية. أستوعب هؤلاء حقيقة القوى الفاعلة في إيطاليا، ألمانيا، بريطانيا وفرنسا وفسروا السياسة بجدلية فرقت بينها وبين القوى السياسية في العصور الوسطى والعصور القديمة. بصورة عامة، رأوا أن السياسة هي ميدان القوة، الأنانية والسيطرة. ولكنهم أيضا اعترفوا بدور السلطة في الحفاظ على النظام والأمن. نيكولو ميكافيللي في كتابيه الأمير والحديث وفكره الواقعي أثر تأثيرا بالغا على الفكر السياسي في الغرب إلى الحد الذي يمكن فيه أن يقال أنه أساس الفكر السياسي الحديث. فيما بعد قام توماس هوبز بتطوير وتوسيع أفكار ميكافيللي في فلسفته السياسية التي نبع منها الفكر الليبرالي الغربي الحالي. في عصر التنوير ظهرت نظريات سياسية جديدة من أهمها فكرة "العقد الاجتماعي" المبنية على فكر جان جاك روسو والتي نظر لها أيضا مونتسكيو وجون لوك والتي تفرق بين الدولة والحكومة وتقول بأن على الشعب أن يتنازل عن بعض الحقوق للحكومة في مقابل الحفاظ على الأمان والنظام، إلا أن هذا التنازل يجب أن يكون بموافقة الشعب فيما أسماه روسو العقد الاجتماعي. مع انتشار الثورة الصناعية تزايد التطور العمراني وظهرت الرأسمالية بقوة مما غير المجتمع بشكل ملحوظ. خلال هذه الفترة بدأ الفكر الاشتراكي بالتكون . وهناك محاولات عدة خصوصا في حقل علم الاجتماع ، لفهم مظاهر الحداثة. ويستخدم لهذه الغاية مصطلحات متنوعة مختلفة لوصف المجتمعات، والحياة الاجتماعية والقوة المسيرة والعقلية الأعراضية وغيرها من المصطلحات . هذه المصطلحات تتضمن : البيروقراطية ، العقلنة ، العلمنة ، الفردية ، الفاعلية الاختزالية الشواش ،الموضوعية ، اللاقرينية الدمقرطة . من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة