من هذا – الشباك – الذي نطل منه على ذكريات مضت وقد حرصت على أن تكون لأناس قد كانت لي معهم مواقف مباشرة لا عن شخصيات لها مكانتها الفكرية والأدبية ولكن لا يوجد لهم مواقف معي شخصياً، لهذا أسجل اعتذاري إن أنا لم أذكرهم. ثانياً هذه الذكريات - عن الذين رحلوا إلى بارئهم وليس عن من يعيشون معنا متعهم الله بالصحة والعافية وطولة العمر. كان واحداً من قلائل عرفوا بنداوة الصوت ورخامته وعذوبته .. كما عرف بمعرفته الدقيقة للمقامات – الطربية – أو قواعد اخراج حروف الكلمة – فكان أحد اساطينها فذهب بالبعض الذين عاصروه ان يضربوا به المثل في معرفة – الانغام – لازلت اذكر ما قاله عنه ذات يوم الاستاذ محمد حسين زيدان – يا واد يقصدني كما كان يحلو له مناداتي بهذا اللفظ – يا واد ترى عبدالستار واحد من اساطين النغم نعم لقد كان الريس "هكذا" وليس "الرئيس" عبدالستار بخاري واحداً من حزمة من اولئك الذين كانوا يتناوبون على مآذن المسجد النبوي الشريف حتى بداية السبعينات الهجرية .. كانوا أنداداً فهم كل من حسين بخاري وحمزة وابراهيم وعبدالرزاق نجدي ومحمد نعمان وغيرهم من ملك ناصية الموهبة في حلاوة الصوت وفي معرفة المقامات. الريس عبدالستار عاشور بخاري ذلك الرجل الطويل القامة الفاره في كثير من العلوم، الحافظ للقرآن الكريم والحاذق لكثير من تفسير آياته الحافظ لمئات من ابيات الشعر القديم وبالذات تلك القصائد التي امتازت وتفردت بمدح سيد الخلق صلوات الله عليه وسلامه بل في شتى فنون الشعر والأدب. كان الريس ذا الصوت الرخيم كان واحداً ممن كانت لهم سطوتهم على سمع الناس في طيبة الطيبة حيث كان هو ومجائليه يتنافسون على الاستحواذ على أذان ووجدان الناس وهم يتناوبون على رفع الآذان من المئذنة الرئيسية في المسجد النبوي الشريف او من السليمانية أو الشكيلية – او المجيدية او الرحمانية. نعم لقد كان – الريس – أحد الاصوات القادرة على توصيل الكلمة بنغمها المحسوب المحسوس فهو استاذ في المقامات فاذا كان حسين بخاري بصوته الرطب قادرا على الاستحواذ لأذن المستمع ، واذا كان محمد نعمان يدخل الى شغاف قلب المستمع بنغمته من مقام الصبا في ذلك الصباح الندي حتى تشعر بان هناك شيئاً – ما – يمسك بقلبك اذا كان هؤلاء هكذا. بذلك الحضور الطاغي. كان الريس عبدالستار كما يقول معاصروه كان سيد "النغم" كما كان سيد – المجس والمجلس – الذي يكون فيه مسيطراً عليه بسرعة بديهته وتعليقاته المحببة للنفوس كما كان حاضر النكتة المهذبة التي لا تخدش الحياء او تعكير صفو الإخاء ومن سرعة بديهيته المغسولة بالنكتة او اللاذعة – سمها ما شئت ان شاهد ذات يوم أحدهم داخلا للمسجد النبوي الشريف الذي ما ان شاهد – الريس – جالساً في دكة الاغوات حتى أتى مسلما عليه رفع الريس رأسه اليه وهو يقول "ليه في مطر في الخارج" كأنه كان مستغرباً منه ان يكون في – الحرم – هذه السرعة في "النكتة" تنم عن ثقافة بالتأكيد حصل عليها نتيجة الدرس الذي كان يتلقاه على _ الركب – في حصوات المسجد النبوي الشريف وامام اساطين المعرفة بشتى فنونها. كان رحمه الله دقيق في لفظه ذات يوم وقد كبر في السن وكنا في مناسبة فرح فكان ابنه "حسن" الذي أخذ بعضاً من حلاوة وقوة صوت أبيه رحمه الله – يقول موالا في تلك المناسبة ، فكان أن اخطأ – في النحو – فما كان من "الريس" الذي كنت لحظتها بجانبه الا وهو ينتفض كالملسوع ولكن سرعان ما تماسك وراح يهمس في أذني قائلا: خليه يقول ما يقول فكل من حضر بقر الا ما ندر. لقد كان "الريس" واحداً من الذين استطاعوا ان يوجدوا في محيطهم ذلك الصدى المحبب لكل نفس.. لقد صبغ بلقب الريس التي عندما تقال لا تصرف الا له. رحم الله الريس عبدالستار بخاري الذي رحل الى خالقه في عام 1401ه. واسكنه فسيح جناته. علي محمد الحسون