المخرج الفرنسي اليوناني قسطنطين كوستا غافراس "الى الغرب من عدن" فعاليات مهرجان برلين السينمائي في دورته التاسعة والخمسين وقدم عقب اعلان جوائز المهرجان التي ستمنحها لجنة تحكيم تتراسها الممثلة الاسكتلندية تيلدا سوينتون. وعرض فيلم "الى الغرب من عدن" سيمفونية ناعمة حولت القصة التراجيدية لمهاجر من الجنوب الى الشمال الى نوع من كوميديا خفيفة في شريط يعتبره غافراس الاكثر ذاتية في مسيرته الفنية. ويقول المخرج الفرنسي من اصل يوناني والحائز جائزة الدب الذهبي مرتين "انه شريطي الاكثر ذاتية من دون شك وهو لا يتكلم عني بشكل مباشر ولكني بحثت في داخلي عن كثير من الاشياء التي ارويها فيه". ويريد من خلال فيلمه الحديث عن الآلاف من الآباء الاوروبيين اليوم والذين هم اصلا من المهاجرين فضلا عن هجرته الخاصة التي يقارنها بالهجرة اليوم "اليوم لم يعد المهاجر حاجة للبلد او يدا عاملة ضرورية ولا هو مشكلة حتى، بل بات يشكل خطرا وخوفا من ان يغري وجوده المجتمع". ويضيف في مقابلة خاصة بالملف الصحافي الذي وزع للفيلم، انه اراد هذا العمل "على نحو اوديسيه حيث الشخصية الاساسية كما عوليس تعبر البحر المتوسط ثم تخوض المحن وتتخطى العواقب وتواجه وحوش الحداثة وتقلب اساطير مرحلتنا". وفي هذه الاوديسيه يكون على البطل ان ينتصر في النهاية وان يخرج سالما وحرا من كل مغامرة تتوالى منذ ترك تجار التهريب له ولرفاقه في عرض البحر واضطراره للسباحة بدل الوقوع في ايدي الشرطة في مكان يفهم المشاهد انه ايطاليا. ويحط البطل في اول مرحلة من رحلة هروبه في جنة فعلية عبارة عن مركز استجمام لاغنياء اوروبا الباحثين عن الشمس. ومن مغامرة الى مغامرة ومن صدفة الى صدفة يعمل لليلة كمساعد ساحر يدخل الى نفسه الامل ويدفعه للذهاب الى باريس. وينجح كوستا غافراس في خلق نسق فني مقنع وان كان غير واقعي ويتضمن الفيلم في احيان كثيرة استعارات ويكشف من خلال هذا المهاجر المسكون بالامل خبايا المجتمعات الاوروبية. فعبر ضربات معلم سريعة ولكن متقنة ومتعاقبة، يكشف حضور هذا "الجسم الغريب" بنيان هذه المجتمعات ومشاكلها مثل الوحدة والاستغلال والعبودية في تشغيل المهاجرين غير الشرعيين. والفيلم لا يخلو من نفحات فانتازية لا يبحث غافراس عن تبريرها بل تعبر الكاميرا والكادرات منها الى كثير من التفاصيل الصغيرة التي تبدو كلها مقنعة وان تكررت المغامرة مع اناس مختلفين وبنوايا ودوافع طيبة او شريرة. ولا يصور عمله وواقع المهاجر من وجهة نظر جامدة تعنى بجانب الحنين لدى هذا الشخص وبشوقه للارض والروائح والامكنة واحساسه الدائم بالاغتراب وانما من وجهة نظر نقدية جديدة. فالياس، ولانه غريب، يضع كل من يتعاطى معهم في مواجهة انفسهم وواقعهم. "ان ترحل يعني ان تموت قليلا" يقول المثل الشائع. لكن غافراس يقول من خلال فيلمه ومن خلال وعيه الذاتي بقضية الهجرة ونجاحه الشخصي في فرنسا "ان تذهب يعني ان تموت قليلا لتولد في مكان آخر من جديد".