"برج اللقلق"، و"صبري"، و"نهاية ظل آخر للمدينة".. ثلاثة أعمال أدبية فلسطينية لأدباء فلسطينيين مقدسيين عاشوا الطفولة بالقدس العتيقة، ارتووا من مائها ونبتوا من ترابها، عشقوا القدس وعشقتهم، حملوا على عاتقهم القصة الإنسانية للقدس وشوارعها ومساجدها وكنائسها، تعلموا أن المقدسيين أهلهم، ذاقوا مر القمع والتهويد، ولكنهم صمدوا مع صمود المدينة المقدسية. رغم مرور العديد من الحضارات والاحتلالات على مدينة القدس التي أعطتها ألوانا وطابعا مختلفا وأسماء عدة من يبوس وإيلياء وأورسالم وبيت المقدس، وأخيرا أورشليم، فإن المدينة بحجارتها وأسواقها ومعالمها بقيت صامدة وشاهدة على مرور السنين حتى جاء الاحتلال الإسرائيلي الذي يعمل جاهدا على تغيير الهوية العربية الإسلامية للقدس بكل أنواع التهويد؛ حيث يعمل على هدم وتغيير المعالم بتسمية الأحياء والمباني الإسلامية العربية بأسماء مصطنعة يهودية، أضف إلى ذلك التهويد الثقافي الذي يؤسس له من خلال تلفيق عدد من المؤرخين اليهود لروايات وكتب تؤكد الارتباط اليهودي بالقدس زيفا وبطلانا، من هنا اتخذ الكتاب المقدسيون على عاتقهم تجسيد الحياة الفلسطينية اليومية بشخوصها وأماكنها بالقدس الشريف في أعمال روائية قد تبدو قليلة عددا، لكنها بعيدة التأثير. تتحدث الروايات الثلاث عن فترات زمنية بمدينة القدس تجسد المكان والزمان والشخوص وتصور الحياة اليومية للمقدسيين وتاريخهم بالقدس العتيقة. فتقدم الكاتبة الروائية المقدسية ديمة السمان في روايتها "برج اللقلق" -وهو اسم منطقة بمدينة القدس مرتفعة جميلة خلابة، وتعتبر منطقة إستراتيجية- عالما مليئا بالذكريات حيث عاشت في برج اللقلق في بيت جدها الذي تحكي عنه أنه "كان بيتا موغلا في القدم، له باحة واسعة تتوسط عددا من الغرف، فيها نافورة حولها تنك زرعت بالزهور، وبجانب البيت حاكورة بها قبر الشيخ علي أحد فرسان صلاح الدين الأيوبي والذي استشهد على أسوار القدس". مستفيدة من الأهمية التاريخية للمكان فيمتزج الخاص بالعام في بناء الرواية، تقول: "كان برج اللقلق محط أنظار الغزاة؛ لأنه منطقة إستراتيجية لغزو القدس، ولهذا كانت تتسابق الجيوش للسيطرة عليه كي تكون في مكان قوة". تحكي الرواية عن عبد الجبار أحد سكان القدس ببرج اللقلق في فترة الحكم العثماني للقدس، ساردة قصة حياته منذ كان سيد قومه إلى أن أصبح عتالا بعد أن ضاق الحال به لتتوقف الكاتبة مليا عند المجاعة التي أطلق عليها وقتها "السفر برلك" وأصابت بلاد الشام متخذة من القدس وأسواقها مثالا حيا على ذلك. مجملة في التفاصيل حكاية الاحتلال الإنجليزي لفلسطين في إطار سردي ووصفي سهل لحال القدس في هذه الفترة، مصورة لإحدى العمليات البطولية التي نفذها أبطال مقدسيون بمعسكر للإنجليز. وتحكي السمان أن ما دفعها لكتابة الرواية هو إيمانها في البداية بأن دور الأدب هو الدخول على حياة الناس وتسجيل قصصهم ومعاناتهم وتصوير حياتهم اليومية ليكون بديلا إنسانيا عن التاريخ المليء بالأرقام والصور والحوادث، مضيفة سببا آخر قائلة: "إن دافعي للكتابة كان لقربي من أبطال الرواية، فهم عائلتي وأهلي، ففي كل بيت بالقدس قصة إنسانية يصعب على التاريخ ذكرها بينما تتجسد بأبهى صورها في الرواية". أما عزام أبو السعود صاحب رواية "صبري" الشاب المقدسي الذي درس الحقوق في إنجلترا والذي يعد واحدا من أوائل العرب الذين درسوا بإنجلترا حيث كان الاتجاه للدراسة في إستانبول، تحكي الرواية التي تدور أحداثها ما بين عامي 1914-1929 عن مراحل حياته منذ بلوغه وحتى تفرغه للمحاماة، وتعلقه برجال المقاومة والنبلاء. قدم أبو السعود الحكاية التاريخية على خلفية المدينة العتيقة التي استقى أخبارها من كبار السن ومن خلال حديثهم عن أحداث تلك الفترة من الزمن في القدس، فجاءت الرواية تحكي عن العادات وحياة المدينة بتلك الفترة.. متطرقة -بدورها- إلى المجاعة "السفر برلك" وإلى المساعدات التي وصلت المدينة لتصور طابور الإعانات الذي كان يصطف فيه الغني مع الفقير لأخذ الحصة من المعونات، وكيف كان يركض الناس خلف الخيل ليلتقطوا من روثها الشعير!ولم يغفل الروائي المقدسي مرحلة سقوط القدس بيد الإنجليز وحدوث أول مظاهرة عام 1921 وزلزال عام 1927. في حين استلهم الأديب المقدسي محمود شقير نصه الروائي "نهاية ظل آخر للمدينة" من الشاعر محمود درويش عندما استحدث زاوية "ذاكرة المكان" بمجلة الكرمل التي كان يرأس تحريرها، فيقول عن بداية الفكرة: "اقترح علي الشاعر محمود درويش أن أكتب عن ذاكرة مكان بالقدس فكتبت لمجلة الكرمل، ثم توسعت في الكتابة لتكون كتابا أعتبره سيرة مكان أكثر منه رواية، خصوصا أن معظم الأماكن التي تحدثت عنها بالرواية قد تغيرت بفعل التهويد الإسرائيلي لها". غير أن الكتاب الثلاثة اتفقوا في حديث ل"إسلام أون لاين.نت" على وجود تقصير من السلطة الفلسطينية ووزارة الثقافة الفلسطينية واتحاد الكتاب الفلسطيني والمؤسسات الأدبية والثقافية تجاه الأدب المقدسي والدفاع عن القدس من خلال أعمال أدبية، مؤكدين في الوقت ذاته على أن هناك جهودا فردية لأدباء مقدسيين وفلسطينيين أثمرت عن أعمال أدبية جميلة من أمثال الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، وبعض المؤسسات الثقافية الفلسطينية التي تجمع مذكرات وكتابات تحكي عن ارتباط أصحابها بالقدس في فترة زمنية ما. هذا في الوقت الذي يوجد فيه ما يقارب 100 رواية إسرائيلية كتبها أدباء يهود تتحدث عن القدس والوجدان اليهودي بالقدس، وفي إحدى الروايات اليهودية ذكرت كلمة القدس 52 مرة في إشارة إلى أن القدس جزء لا يتجزأ من الوجود الإسرائيلي اليهودي، على حسب ما ذكر محمد الأشقر، الذي أكد على أهمية وجهة نظره بما حدث للشاعرة فدوى طوقان، فقال بعد تنهيدة: "عندما ذهبت إلى بريطانيا وسألها بريطاني: من أين أنت؟ فأجابت أنا من جوار القدس، فأجابها: يهودية؟ فقالت شعرا متألما حزينا داعية إلى الاهتمام بتعريف الفلسطيني العربي المقدسي للعالم". في حين رأى أبو السعود أن ميزانية وزارة الثقافة التي لا تتجاوز 1% لا يمكن أن تكفي، مشيرا إلى أن تجميع مذكرات النشاشيبي وأمين الحسيني والمقابلات والروايات هو خطوة جيدة، ولكن نريد مزيدا من الاهتمام حتى نحافظ على ثقافة القدس العربية الإسلامية. وحول احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية استغرب شقير من جانبه من بطء الاستعداد الذي تقوم به السلطة الفلسطينية لهذا الحدث قائلا: "لقد استعدت دمشق أربعة أعوام حتى أصبحت عاصمة الثقافة العربية"، وهو ما جعله يرجح الفشل نتيجة لهذا التراخي، خصوصا مع كون لجنة القدس عاصمة الثقافة العربية لا تضم في أعضائها أديبا مقدسيا، كما لم تطأ قدم أحدهم المدينة العتيقة. صحفي - نابلس