مسقط : موفدا (البلاد) جبر العتيبي ومحمد باربيق .. انفض الدور الاول من دورة كأس الخليج التاسعة عشرة بضيافة مسقط على كثير من الاثارة والصخب الاعلامي على حساب المتعة الفنية داخل المستطيل الاخضر لانه شهد قليلا من كرة القدم ما يرسم علامات استفهام حول مدى استفادة المنتخبات المشاركة من هذه الدورة في استحقاقاتها الرسمية الاخرى. وفرضت دورات الخليج خصوصية معينة منذ انطلاقها عام 1970 في البحرين فكانت ميدانا مثاليا وخصبا للتباري في الضغوط النفسية والتصريحات النارية، وكل ذلك سار بموازاة تعاظم شعبيتها في الدول المشاركة فيها وفي تطور مستوى كرة القدم فيها حتى باتت حاجة للمنطقة. وساهمت الدورات الخليجية بالتطور على مسارات عدة، على الصعيد الاداري من خلال تراكم خبرات الكوادر التي عملت في التنظيم والاعداد لهذه البطولات، وعلى صعيد المنشآت الرياضية من خلال سعي الدول المعنية الى توفير الملاعب الجيدة لاستضافة مبارياتها، واعلاميا ايضا لانها كانت مكانا مناسبا للبروز واكتساب الخبرات على مر السنوات. والاهم من هذا كله، ان دورات الخليج كانت وراء نهضة رياضة كرة القدم في المنطقة اذ ادى التنافس الحاد بين منتخباتها الى بروز مواهب عدة في دولها ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ماجد عبدالله وعدنان الطلياني وجاسم يعقوب وفيصل الدخيل وسعد الحوطي ومنصور مفتاح وغيرهم الكثير. وانطلقت المنتخبات الخليجية تدريجيا الى الفصاء الاوسع، الى فرض قدراتها في كأس اسيا، وثم الى العرس الاهم في عالم كرة القدم، نهائيات كأس العالم. ونجحت الكويت في الفوز بالبطولة القارية عام 1980، واكدت بجيلها الذهبي في حينها حضورها على الساحة العالمية بالتأهل الى مونديال اسبانيا عام 1982. وحذا العراق حذوها بتأهله الى مونديال مكسيكو عام 1986، وسارت الامارات ايضا في مسيرة النجاح بالوصول الى مونديال ايطاليا 1990، لتحمل بعدها السعودية راية المنتخبات العربية في كأس العالم بتأهلها عن جدارة الى الدورات الاربع السابقة في الولاياتالمتحدة 1994 وفرنسا 1998 وكوريا الجنوبية واليابان 2002 والمانيا 2006. وبات "الاخضر" السعودي ايضا رقما صعبا في القارة الاسيوية فتوج بطلا ثلاث مرات اعوام 1984 و1988 و1996، وخسر النهائي ثلاث مرات ايضا اعوام 1992 و2000 و2007. ان مشاركة معظم منتخبات المنطقة في ادوار متقدمة من تصفيات كأس العالم حاليا يزيد من اهمية دورة الخليج، رغم انقسام آراء المشاركين بين من يعتبرها خير اعداد لمباريات التصفيات وبين من يؤكد انها ليست مرحلة اعداد بل انها لاحراز اللقب الخليجي، ما يطرح سؤالا حول مدى خروج هذه المنتخبات بالفائدة الفنية القصوى من مشاركة في دورة اقليمية رغم خصوصيتها. بطولة الضغوط والإثارة لم تشذ منافسات "خليجي 19" عن سابقاتها، لان دورات الخليج حظيت دائما باهتمام اعلامي واسع من الدول المشاركة يتخطى احيانا اهتمامها بنهائيات كأس العالم اذ يقوم بتغطيتها اكثر من 500 صحافي. وغالبا ما يكون الاعلام الخليجي شريكا اساسيا في الاثارة التي تشهدها هذه الدورات، ويساهم ايضا وبدرجة كبيرة بالضغوط التي تفرض على اللاعبين. وابرز ملامح الاثارة الاعلامية في "خليجي 19" خبر المفاوضات بين مدرب منتخب البحرين التشيكي ميلان ماتشالا والمسؤولين في اللجنة الانتقالية الكويتية للعودة لتدريب "الازرق"، وايضا الاتهامات التي تعرض لها ماتشالا نفسه "ببيع المباريات"، ما اثار سخطه واعلانه ان دورة مسقط ستكون الاخيرة له في البطولات الخليجية. وحدت الضغوط النفسية كثيرا من تحركات اللاعبين وقدرتهم على تقديم مستوياتهم المعهودة، وكان تصريح الامير سلطان بن فهد رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم واضحا حين قال "ان الضغوط النفسية في دورات كأس الخليج تشكل 60 بالمئة وال40 الاخرى تبقى للعامل الفني". مستويات متواضعة ترافق ارتفاع معدل الضغوط النفسية والاعلامية مع انخفاض ملحوظ في مستوى بعض المنتخبات المشاركة وتواضع امكانات البعض الاخر، فباستثناء بعد الدقائق في كل مباراة، يمكن القول اننا شاهدنا قليلا جدا من كرة القدم طوال الدور الاول. ان مجرد التكهن بنتيجة اي مباراة في دورات الخليج يبدو ضربا من الخيال لان كل مواجهة تشكل "دربيا" تدخل فيه حسابات كثيرا ما عدا الافضلية الفنية والجهوزية البدنية والمهارية، فتدخل جميع المنتخبات منافسات الدورة بحظوظ متساوية ولذلك يبقى اللقب محتارا حتى المحطة الاخيرة. ولا يدخل منتخب اليمن طبعا في هذه الحسابات كونه ما يزال طري العود في المنافسات الخليجية، اذ ان يشارك فيها للمرة الرابعة فقط بعد ان بدأت مسيرته في "خليجي 16" في الكويت عام 2003. منتخب عمان الذي فرض احترامه خليجيا في الاعوام الماضية ووصل الى النهائي في المرتين السابقتين استحوذ على الترشيحات كونه يلعب بنفس التشكيلة من اللاعبين تقريبا التي ازدادت خبرة وتريد ان تنتزع اللقب على ارضها وبين جمهورها للمرة الاولى في تاريخها. وتشفع عروض صاحب الارض للدورة في الحديث عن الناحية الفنية، فانه الوحيد الذي امتع وكان اداؤه تصاعديا من مواجهة سلبية امام الكويت المحافظة جدا دفاعيا الى نتيجة تاريخية امام العراق باربعة اهداف نظيفة الى فوز صريح بهدفين على البحرين التي كان من المفترض ان تبادله الندية والمهارة. العمانيون بقيادة فرنسية هذه المرة يمثلها كلود لوروا صاحب الخبرة الكبيرة في القارة الافريقية، واجهوا ضغوطا في مباراة الافتتاح ثم تحرروا منها لاحقا، لكن بطولة جديدة بدأت الان في نصف النهائي يواجهون فيها المنتخب القطري الذي لم يقدم شيئا يذكر في ثلاث مباريات حتى الان. "العنابي" بقيادة فرنسية ايضا يشغلها برونو ميتسو، الفائز مع الامارات باللقب في النسخة الماضية، قدم اداء عقيما في مباراته الاولى مع السعودية لم تتضح فيها شخصيته او اسلوبه، وتكرر المشهد امام الامارات بتعادل سلبي آخر، ثم كانت المحطة الثالثة التي انتظرها ميتسو لتحقيق الفوز امام اليمن الحلقة الاضعف، لكن الدقائق السبع التي احتسبها حكم المباراة بدلا عن ضائع والخطأ قبيل الصافرة بلحظات على حافة المنطقة حولا الاتراح الى افراح بهدف لمجدي صديق ابقى فيها منتخبه في البطولة واخرج الامارات حاملة اللقب الاخير في اكثر لحظات الدورة اثارة. "الابيض" الاماراتي دخل بهيبة البطل بفوز على اليمن 3-1 قبل ان يقتنع بأنه ليس مؤهلا للقب جديد بتعادل سلبي مع قطر، ثم كشفت المباراة الثالثة مع السعودية الخلل الحقيقي الذي ما يزال يعاني منه المنتخب الاماراتي وهو ضعف خط الدفاع وانخفاض معدل اللياقة البدنية في النصف الاخير من الشوط الثاني، فانتقلت معاناته من تصفيات كأس العالم الى المواجهة الاكثر قوة له في دورة الخليج، فكان شوطا سعوديا مثيرا تفوق فيه المدرب ناصر الجوهر على نظيره الفرنسي دومينيك باتنيه في قراءة المجريات التي اثمرت ثلاثة اهداف جميلة. "الاخضر" هو مرشح دائم للقب لكنه لكنه يعاند المنطق الكروي بالدخول في زواريب الضغوط النفسية التي تفرض على كل مباراة، فالمنتخب السعودي يعد افضل المنتخبات الخليجية فنيا ومهاريا وغنى بالمواهب، وله من التاريخ والتجارب قاريا وعالميا ما يخوله السيطرة على دورات الخليج بسهولة، لكن "الخصوصية" هذه البطولة تحوله الى لاعب عادي مثله مثل الآخرين. احتاج "الاخضر" السعودي الى الوقت للدخول في اجواء البطولة، فقد جارى نظيره القطري بالعرض اللا كروي في المحطة الاولى، قبل ان يصب جام غضبه على المنتخب اليمني بنصف دزينة من الاهداف في مواجهة لا تعتبر مقياسيا حقيقيا لمستواه وما يمكن ان يقدمه، فاتى الاختبار الاماراتي الذي كاد فيه السعوديون يقعون بمطب "الروتين" الكروي بين كر وفر الى ان بانت موهبة بعض لاعبيه فقدموا فاصلا مشوقا لدقائق حسموا فيه النتيجة بثلاثية نظيفة. ويقينا لو يحسن "الاخضر" المواظبة على مستواه المرتفع فان الحديث في دورات الخليج يكون عن ترتيب المنتخبات الاخرى من الثاني حتى الثامن، لكن اداءه المتذبذب يحرمه هذه الافضلية رغم حاجته الماسة الى اللقب الخليجي لانه سيشكل حافزا مهما له في الدور الرابع والحاسم من تصفيات مونديال 2010 في جنوب افريقيا التي يعاني فيها كثيرا حتى الان. "الازرق" صاحب الامجاد في دورات الخليج بتسعة القاب الذي انضم الى دورته المفضلة بعد رفع الايقاف الدولي عن الاتحاد الكويتي قبل ايام من انطلاقها، حضر باستعدادات متواضعة وبآمال محددة، الاحتكاك والتواجه في البطولة، وكانت تصريحات الشيخ احمد الفهد والمدرب محمد ابراهيم تشير الى ان المنتخب الكويتي "هو الحلقة الاضعف" في مجموعته. لم يقدم "الازرق" اداء كرويا لافتا في مبارياته الثلاث حتى الان وكانت سمته الابرز التغطية الدفاعية مع اغلاق تام للمنطقة، اذ يبدو ان ابراهيم ركز على قدرات لاعبيه من دون مبالغة فاراد تجنب تلقي اي هزيمة غير متوقعة، ولذلك اقفل منطقته تماما في مباراة الافتتاح خصوصا في الشوط الاول قبل ان ينطلق لاعبوه بهجمات مرتدة كاد عبرها مهاجمه احمد عجب يسجل منها بمفرده ثلاثة اهداف قبل ان يرتضي الطرفان بالتعادل السلبي. سيناريو المباراة الثانية للكويت مع البحرين كان مشابها ايضا باداء دفاعي وهجمات مرتدة حين تسنح الفرصة، ومع فشل النجاعة الهجومية البحرينية، خطف مساعد ندا هدفا كويتيا رائعا من ركلة حرة وضع فيه منتخب بلاده في وضع جيد للتأهل الى نصف النهائي الذي تحقق في الجولة الاخيرة بتعادل مع البحرين بهدف لكل منهما. المنتخب البحريني قدم كل ما لديه ويبدو ان قدرات هذا الجيل من اللاعبين باتت محدودة ولن تستطيع تحقيق الانجاز، ولم ينفع ايضا التعاقد مع ماتشالا الخبير بالكرة الخليجية لانه وقع بدوره في مطب الضغوط والتغييرات المستمرة في التشكيلة حسب كل مباراة. يقدم المنتخب البحريني عروضا جيدة لكنه يفتقد الى الفعالية والتطور في العابه وخططه التي كانت مكشوفة تماما للمنتخبات الاخرى، وباسثتناء صدمة البداية بفوزه على العراق 3-1 فانه لم يقدم ما يشفع له بالاستمرار بالبطولة بخسارتين امام الكويت صفر-1 وعمان صفر-2. منتخب العراق كان ظلا للمنتخب الذي توج بطلا لاسيا قبل نحو عامين للمرة الاولى في تاريخه، ويمكن القول ان التخوف الذي اعلن عنه بعض المسؤولين في الاتحاد العراقي كان بمحله ان كان لجهة ضعف فترة الاعداد وعدم تجمع المحترفين لفترة كافية، او لناحية المشكلات الداخلية التي تعصف بالمنتخب ما دفع بالدولي السابق احمد راضي الى وصفها "بالانانية الفردية على حساب المنتخب". اللاعبون المتوجون ابطال لاسيا هم انفسهم تقريبا شاركوا في "خليجي 19" لكنهم كانوا عاديين جدا وبعيدين كل البعد عن مستوياتهم بدءا بيونس محمود العائد من اصابة من فترة ونشأت اكرم الذي اصيب وغادر البطولة مبكرا وهوار ملا محمد وغيرهم. وتجدر الاشارة الى معاندة الحظ للمنتخب العراقي في هذه الدورة من خلال الاصابات العديدة وحالات الطرد التي افقدته عناصر اساسية يعتمد عليها مدربه البرازيلي جورفان فييرا الذي يثير استمراره من عدمه مشكلة لدى الاتحاد العراقي حاليا. وكما كانت حال عمان في السابق، هكذا هي بداية منتخب اليمن في دورات الخليج، اذ يحتاج الى سنوات من الخبرة والاحتكاك لكي يصبح ندا منافسا للمنتخبات الاخرى.وتراجعت نتائج المنتخب اليمني في هذه الدورة عما كانت عليه في الدورات الثلاث السابقة بوجود المدرب نفسه المصري محسن صالح الذي اقيل قبل المباراة الاخيرة امام قطر، وذلك خلافا لتصريحات المسؤولين عنه من الاعداد هذه المرة ممتاز وان الهدف سيكون التأهل الى الدور الثاني. ويتعين على الاتحاد اليمني اعداد منتخب جيد للنسخة المقبلة المقررة في ضيافته عام 2011.