"أعكف الآن على استخدام الإنترنت ومراقبة هذا العالم المشحون بكل الاتجاهات والأهواء". هذا هو بهاء طاهر، الحي دائما الباحث عن التعايش وسط متناقضات العالم وتهافت نواقصه. يعود الكاتب الكبير الآن لكتابة القصة القصيرة التي استهل بها طريقه الأدبي كمجموعة "بالأمس حلمت بك" أشهر مجموعاته بعدما قطع خطوات عملاقة في الرواية التي نال بسببها جائزة البوكر العالمية للرواية العربية عن رواية واحة الغروب وإلزياتوري الإيطالية عن رواية "الحب في المنفى" والتي نالت كذلك جائزة أفضل رواية مصرية في معرض القاهرة الدولي للكتاب 1995. المدهش في بهاء طاهر هنا هو الاستغناء التام إلا عن الحلم العام!! * الأديب دائما مصاب بمرض الانتظار .. ما الشيء الذي تنتظر حدوثه ويمثل لك هاجسا لا خلاص منه؟ - أنتظر إقبال القارئ العربي على كتاباتي بشكل أكبر بما يصنع مردودا مؤثرا في هذه الفوضى التي نعيشها والحال المتردي القابعين فيه، فأن تُحدث كتاباتي أثرا إيجابيا ذلك هو دور الكاتب المطلوب، ولا يكون أمامه سوى الانتظار لهذا المردود فقط. * عانيت الإهمال كأديب كبير من قبل المؤسسات الثقافية.. حدثنا عن ذلك؟ - تم "ركني على الرف" ما يتجاوز الثماني سنوات ولم يكن هناك أي إحساس بقيمتي وطلب مني النشر في الخارج ورفضت وكان ما يؤرقني هو التواجد في بلادي لذا لزمت الصمت حيال تلك السنوات الثماني العجاف حتى عدت. * بدأت بكتابة القصة القصيرة وحققت نجاحًا باهرًا.. في نظرك لماذا لم يعد يوجد ذلك المخلص للقصة القصيرة من بعد يوسف إدريس؟ - من ناحية وجود كُتاب القصة القصيرة المجيدين فهم متوفرون والحمد لله ومنتشرون في الصحف والمجلات الثقافية والأدبية.. لكن صدقني العيب عيب الناشرين، فهم محمومون بما أسميه كتابات "الكومبو" ذات الحجم الكبير، "وعلى فكرة هذه مصيبة عالمية" ليست مصرية ولا عربية فقط برغم أن هنالك من حقق النجاحات الباهرة بأعمال صغيرة وقصيرة ككتابات "تشيكوف" وأعمال إرنست همنجواي، حتى قصص كليلة ودمنة يا صديقي "بحجم الميني وليس كومبو"، ثم ضحك. * جوهر أعمالك الإبداعية هو الحب كقيمة أساسية في المجتمع أبرزها "الحب في المنفى" التي نالت جائزة الإلزياتوري الإيطالية مؤخرا.. في نظرك ما هي القيم التي تنقصنا هذه الأيام؟ - أهم القيم في نظري الآن التضامن، فكل فرد في المجتمع يعيش في جزيرة معزولة.. وعما أدى لهذا التفكك لا أعرف السبب بدقة، لكن دعني أقل لك معيارا مهما في تلك المسألة؛ عددنا تضاعف جدا بينما وقفت الموارد جامدة، بل منحسرة في أغلب الأحيان مما أصاب المجتمع في كبده وصلب تماسكه. لذلك يقول لي زميل وهو كاتب سكندري "لأحقق اللي ما وصلت أنت إليه بعد التخرج مستحيل لأني أمارس عملين وإلى أن أنتهي منهما يوميا أكون قد أنهكت وفاض بي الكيل".ولهذا أقول إن الظروف المعيشية الصعبة الآن أسهمت في تدهور الأدب. * ألا تمثل لك جائزة نوبل أملا؟ - جائزة نوبل لا تعنيني في شيء وأكثر ما يهمني هو وجود كتاب لي على الأرصفة مشاهد ومقروء.. وبحكم كوني عروبيا أتمنى الانتشار بين العرب.. هذه هي المسألة التي تعنيني ولا غير، وصدقني مسألة ترجمة أعمالي تأتي في هوامش اهتماماتي. * وما رأيك في أسهم إبراهيم الكوني الكاتب الليبي المعروف في تلك الجائزة، خاصة بعد ترشيح صحيفة ألمانية له لنيل جائزة نوبل للآداب؟ - المتحمسون له كُثر ومحبوه أضعاف الأضعاف والألمان هم أكثر المتحمسون له؛ لأن كل أعماله مترجمة للألمانية وهم من يقفون وراءه. * المتداول في الكتابة الأدبية الآن بخاصة الرواية والقصة القصيرة هو الحكي لمجرد الحكي وقصد الإمتاع الوقتي فقط، وبدأت بعض دور النشر الآن في تحويل المدونات الإلكترونية لشكل ورقي ومعروف أن هذه المدونات يغلب عليها الطابع اليومي في السرد.. هل لنا أن نعرف توقعك لسرد المستقبل؟ - والله مسألة شكل الكتابة الأدبية في المستقبل متروكة للمستقبل وليس لنا الحق في الحكم عليه مسبقا، فقد يكون هذا الشكل أو ذاك هو السائد مستقبلا، وقد تصبح العملة الرديئة في الأدب هي المتداولة وقتها وتخلق نوعا جديدا في الأدب، فهذه المسألة لا تشغل بالي أبدا وليكن ما يكون. * في نظرك ما سبب غياب الأعمال الأدبية عن السينما باستثناءات قليلة؟ - حال السينما في مصر لا يختلف عن حال الأدب، لكن مصيبة السينما هي الاستخفاف والإمعان في الاستظراف بشكل بهلواني سخيف، والذي يضحكني حتى البكاء هو رؤية تلك الأعمال والناس تتهافت عليها محققة لتلك الأفلام نجاحات بالملايين.. فالسينما مرآة الذوق العام ولك أن تتخيل ما وصلت إليه حالة الذوق العام!! * ماذا عن آخر كتاباتك؟ - سُئلت كثيرا في هذا الأمر، ولكن الجديد هو قيامي بكتابة مجموعة قصصية جديدة لي ونشرت في الآونة الأخيرة قصة "لم أعرف أن الطواويس تطير".. وحاليا تقوم دار الشروق بالتحضير لنشر أعمالي الكاملة في السوق. * آخر من قرأت وتقرأ وله؟ - ما أقرؤه الآن رواية "الأسوار" لمحمد البساطي، وآخر ما قرأته "ليل أوزير" لسعد القرشي رواية رائعة جدا. * من مِن الكتاب الشباب تتحمس لكتاباته؟ - كثيرون أمثال سعد القرشي، وإن كان قد تخطى عتبة الشباب، ومحمد علاء الدين، ومحمد فتحي، والكثير الكثير الذي لا أتذكره الآن. صحفي مصري