فاجأنا مجلس الشورى اخيرا برفضه قيام مؤسسة البريد السعودي بدعم خمسة أندية جماهيرية، هي الأهلي والاتحاد من جدة ، والنصر والشباب من الرياض، والاتفاق من المنطقة الشرقية، مرجعا ذلك إلى أن مثل هذا الدعم هو من أوجه تبديد أموال المؤسسة ولا طائل منه، وأن الأولى بمؤسسة البريد السعودي توجيه هذه الأموال إلى عمل يدر ربحية عليها، ويوسع أعمالها.وفي الوقت ذات، رفض المجلس أيضا رفع علاوة الضمان الاجتماعي من 800 ريال إلى 3 آلاف ريال شهريا.فهل كان ذلك اليوم هو يوم "الرفض" لمجلس الشورى؟ وهذا تساؤل في محله نظرا لأهمية القضيتين اللتين قال فيهما المجلس رأيه بالرفض. فبالنظر إلى قضية رفع قيمة الضمان الاجتماعي، فهي أمر ملح وحيوي من أجل توفير الحياة الكريمة للمتقاعدين في ظل ارتفاع الأسعار الذي يكتوي الجميع بناره. وكان من الأولى بالمجلس أن يكون سندا لفئة عانت كثيرا وحان وقت انصافها وتعويضها خيرا عن سنين طويلة ظلمت فيها. أما القضية الثانية، وهي رفض مجلس الشورى دعم مؤسسة البريد السعودي للأندية السعودية الخمسة المشار إليها بمبلغ إجمالي قدره 150 مليون ريال على مدى خمس سنوات، أي بواقع 30 مليونا لكل نادٍ، فهو الأمر الذي بدا غريبا وغير متناسق مع جهود الدولة في دعم الرياضة بصورة عامة وكرة القدم، بصورة خاصة. فالمتأمل لكثير من دول العالم يجد أن هناك حكومات مثل الحكومة اليابانية تقوم بدعم المنتخبات الوطنية لليابان بما يصل إلى 600 مليون دولا ركل عام. ولعل المثل الأكبر في هذا المجال ما قامت به دولة قطر برصدها مبلغ 200 مليار دولار حتى عام 2022 من أجل استضافة كأس العالم لكرة القدم، وهو مبلغ ضخم سيصرف على البنية التحتية للدولة وعلى مشاريع الاسكان الفنادق والمواصلات والملاعب لتكون قطر جاهزة لهذا الحدث العالمي. فهل يمكن النظر إلى ما تقوم بع قطر على انه نوع من السفه أو التبذير أو إهدار الموارد؟ بالطبع لا. فما نالته وستناله قطر من وراء هذا الحدث كبير جدا ولا يماثله أي عمل من أعمال الدعاية.كما أنه يتوقع وصول نحو 400 الف سائح الى قطر خلال مونديال 2022. وهناك أمثلة عديدة على استقطاب كرة القدم في أوروبا لأموال كثير من رجال الأعمال العرب، فنادي مانشيستر سيتي الانجليزي، نادي الأثرياء كما تم تسميته من قبل الكثيرون، هو الآن ملك للشيخ "منصور بن زايد آل نهيان" نائب رئيس الوزراء ووزير شؤون الرئاسة في دولة الإمارات العربية المتحدة.وايضا نادي باريس سانت جيرمان، نادي العاصمة الفرنسية، كان قد بيع في صيف 2011 إلى شركة قطر للاستثمارات، وأعلنت الشركة عن تدعيم النادي بشكل كبير أثناء سوق الانتقالات.أما نادي بورت سموث الإنجليزي العريق الذي هبط إلى الدرجة الأدنى، كان ملك رجل الأعمال الإماراتي "سليمان الفهيم" ثم باعه إلى رجل الأعمال السعودي "علي الفراج".ونادي خيافتي الاسباني الذي ينافس في دوري الدرجة الأولى الإسباني، تمتلكه الآن مجموعة رويال دبي المملوكة للشيخ بطي بن سهيل آل مكتوم، أحد أفراد الأسرة الحاكمة في إمارة دبي، التي قررت تسميته ب"خيتافي تيم دبي".وفولهام الانجليزي النادي اللندني "فولهام" يمتلكه رجل الأعمال المصري "محمد الفايد" منذ سنوات طويلة.وهناك أيضا ليرس البلجيكي نادي مدينة "لير" البلجيكية، الذي يمتلكه رجل الأعمال المصري "ماجد سامي"، الذي يمتلك أيضاً نادي وادي دجلة الذي يلعب في الدوري المصري الممتاز.ونادي ملقا الاسباني يمتلكه الشيخ "عبد الله بن ناصر الأحمد آل ثاني" رئيس مجلس إدارة مجموعة (ناصر بن عبد الله) القطرية.ونادي ميونيخ 1860 يمتلكه رجل الأعمال الأردني "حسين إسميك" حيث استحوذ على 49% من أسهمه كي يحق له إدارته. وباثينياكوس اليوناني اشتراه سمو الأمير "سلطان بن ناصر الفرحان آل سعود" الذي يمتلك إحدى أكبر شركات الإنشاءات في المملكة السعودية. وسبق لشركة "طيران الإمارات" توقيع عقد رعاية لنادي الارسنال الانجليزي مقابل 150 مليون يورو تقريبا في أكبر صفقة رعاية في تاريخ كرة القدم الإنجليزية وقتها. وكانت "طيران الإمارات" الشركة الراعية لفريق تشيلسي اللندني، مقابل 30 مليون جنيه إسترليني، وانتهي العقد بنهاية موسم 2004. وكان عقد الرعاية الضخم ينص علي إطلاق اسم "الإمارات" علي الملعب الجديد لنادي أرسنال، "اشبورتون جروف" لمدة 15 سنة، حيث أطلق عليه "استاد الإمارات"، مع وضع شعار الشركة علي قمصان لاعبي الفريق لمدة ثمانية مواسم، بدأت من موسم 2006-2007، الذي ترك فيه النادي مقره في "هايبري"، إلي الملعب الجديد، الذي تكلف إنشاؤه نحو 500 مليون دولار، وسعته 60 ألف متفرج. وقد توالت صفقات الرعاية، والاتفاقات الإعلانية، من جانب العرب. حتي جاءت صفقة رعاية هي الأكبر في تاريخ عالم الكرة، فقد أتمت مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع "قطر فاونديشن"، عقداً مع برشلونة الإسباني يتم بموجبه وضع شعار المؤسسة القطريّة علي قمصان الفريق الكتالوني مقابل 166 مليون يورو لمدة خمس سنوات. وجاء انضمام " سامبا " البنك الاوسع شهرة في اللملكة لدعم الاستثمار الرياضي من خلال الاستثمار والتحالف مع نادي برشلونة الاسباني ليؤكد من جديد ان الجدوى الاقتصادية من الاستثمار الرياضي لافته وستظل ذات عوائد مجزية وربما تكون منصفة، فهل هناك ما يوضح أهمية الاستثمار في الرياضة بصورة عامة وكرة القدم أكثر بصورة منفردة ؟ وإذا تركنا كل ذلك، وعدنا إلى الواقع المحلي، ألم تسجل المملكة إنجازا لم يضارعها فيه أي دولة عربية أخرى ألا وهو تأهلها السعودية 4 مرات على التوالي لكأس العالم لكرة القدم أعوام 1994،1998، 2002، و2006 .وينظر الكثير من المراقبين إلى هذا الإنجاز على انه مهم جدا ويحتاج إلى عمل دؤوب وميزانيات كبيرة، ولا يستطيع تحقيقه إلا القليلون.كما حصلت المملكة على كأس آسيا 3 مرات.وحتى على مستوى الفروسية، كان لذهبية المملكة العام الماضي أكبر الأثر على المستوى العالمي.وكان لاستضافة المملكة كأس العالم للشباب عام 1989م كأول دولة عربية تقوم بذلك اثر ايجابي كبير ايضا. وعلى مستوى الدوري المحلي، نجد شركة كبيرة مثل شركة عبداللطيف جميل، وهي المعروفة بتعدد أنشطتها من السيارات إلى الفنادق الأجهزة الإلكترونية وملاءتها المالية، ترعى دوري كرة القدم بقيمة 120 مليون ريال، وقد سبقها في ذلك شركة "زين" وقد حمل الدور اسم كلتيهما.ولا ننسى أن شركة طيران القطرية أعربت عن رغبتها في دعم نادي الاتحاد السعودي ب50 مليون ريال. فهل ما قامت به هذه الشركات الثلاث هو ايضا إهدار لمالمها كما تفضل وأعلن مجلس الشورى عن رأيه حيال الأمر ذاته من قبل مؤسسة البريد السعودي. فيبدو أن المجلس الموقر بعيد عن واقع المجتمعن ومتناسيا أن 60% من عدد سكان المملكة من الشباب، و90% منهم اهتماماتهم رياضية، وبالأخص تجاه كرة القدم. وفي الوقت الذي يتراجع فيه عدد صفحات الصحف المحلية، يزداد عدد الرياضية منها، ويزداد الإقبال على قراءتها في ظل تصاعد الانتماء للأندية. وقط طالب مجلس الشورى مؤسسة البريد السعودي بتوجيه الأموال التي خصصتها لدعم الأندية السعودية إلى الإعلانات للإعلان عن منتجاتها، متناسيا أن المؤسسة جهة خدمية وليس لديها منتج إلا طابع البريد، وهو ذو قيمة منخفضة ماديا. كما أن الإعلانات استنفدت أغراضها ولم تعد تأتي بمردود جيد في ظل انخفاض ثقة المستهلكين بها. كما ان مؤسسة البريد السعودي تمتلك شبكات واسعة من الاتصالات والنقل ولها مكاتب في كافة أنحاء المملكة لتوفير الخدمة البريدية لكافة المواطنين والمقيمين أينما كانوا، ولو رغبت المؤسسة في العمل الربحي لكسبت كثيرا واصبحت من أغنى المؤسسات الحكومية في المملكة، إلا أنها تظل مؤسسة خدمية تؤدي رسالة وتقدم خدمات على أعلى مستوى عالمي والدليل جوائزها العالمية وعنوانها الذكي .وبعد كل ذلك، أليس من حقنا أن نصر على مطالبتنا المؤسسات الحكومية الخاصة أن تواصل دعمها للرياضة بكافة انواعها، وكرة القدم بصورة خاصة، فهي كما اوضحت دراسات كثيرة أقصر الطرق لأسعاد المواطن العادي وأنجحها في توحيد الصفوف حول المنتخب الوطني وتعميق الانتماء للوطن. ولا نعتقد ان هناك من يهدر ماله في غير صالح، فالكل رقيب على مال شركته أو مؤسسته، ويسعى إلى تحقيق الأفضل لها، ولولا أن مؤسسة البريد تدرك تماما أهمية العائد لها من رعاية الأندية السعودية، ما كانت أقدمت على هذه الخطوة التي من شأنها ان تفتح المجال أمام مؤسسات حكومية أخرى لتحذو حذوها، ولا يعود المجال محصورا في الشركات الخاصة فقط.الخير ان تعلم ان الامور تدار بيديك لا من خلفك مع التحية للسادة اعضاء مجلس الشورى.