ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    235 جهة حكومية تستعرض أبعاد ثروة البيانات وحوكمتها والاستفادة منها في تنمية الاقتصاد الوطني ‬    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحكمة الجنائية ..ضحية لنظام عالمي استبدادي
نشر في البلاد يوم 25 - 07 - 2008

تساؤلات عديدة تطرح نفسها مع الأخذ والردّ بشأن تخويل المحكمة الجنائية الدولية نفسها صلاحية إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير .
فالحدث ذو أبعاد متشعبة للغاية، ولا يمكن تناوله في تحليل مقتضب، فما يتعرّض له هذا الموضوع أقرب إلى وضع عناوين رئيسية لعدد من المحاور، ومناقشة بعضها باقتضاب، بهدف إعطاء الحدث مكانه على تلك الخارطة المتشعبة من الأبعاد والخلفيات المرتبطة به مباشرة وغير مباشرة، لا سيما وأن الحديث هنا :
1 يتعلق بشخص البشير بالذات، فهو واحد من الزعماء العرب والمسلمين، مم ّن تحوّل على أرض الواقع في السودان من رجل جيش عسكري إلى رجل دولة سياسي، وأعطى الأولوية لمصلحة السودان العليا فوق ما سواها، واستطاع التحرّك .-على طريق مليئة بالألغام داخليا وإقليميا وتحت القذائف دوليا، عاملا لإقرار السلام في بلده رغم العقبات هذا ما يجعله مستهدفا بشخصه عبر " أداة " المحكمة الجنائية الدولية !
- 2 ويتعلق بالسودان، فمع فلسطين والعراق، أصبح هو من بين الدول العربية الدولة الأولى المستهدفة عالميا بأقصى درجات الضغوط والمؤامرات العلنية، لتفتيته تقسيما، وإضعافه أمنيا، والحيلولة دون نهوضه اقتصاديا واستقراره سياسيا، كيلا يتحقق من خلاله " أملٌ " يُعوّل عليه كثيرا في تحقيق أمن زراعي وغذائي عربي، وبالتالي تثبيت دعامة من دعامات استقلال إقليمي حقيقي عن التبعية الأجنبية، وكي يتحوّل بدلا من ذلك إلى بؤرة فوضى هدّامة وأخطار جسيمة على الدول المجاورة له، لا سيما مصر في الشمال والسعودية في الشرق .
وقد أُنهك السودان إنهاكا شديدا ولكن دون التمكّن من " تركيعه " ، عبر عدة عقود من الحرب الأهلية المدعومة خارجيا، والفتن العسكرية المشتعلة مجدّدا عبر تهييجها دوليا أيضا . هذا ما يجعل زعامته الآن مستهدفة عبر " أداة " المحكمة الجنائية الدولية !
3 ويتعلق الحدث أيضا بالمحكمة الجنائية الدولية نفسها، وموقعها على أرضية القانون الدولي العام من جهة، وفي إطار الحقبة المرحلية الراهنة لتشكيل نظام عالمي يرث ما خلفته دعائمه السابقة من حقبة الحرب الباردة .ويطرح سؤالا :
هل العام؟- يمكن أن تصبح هي أيضا " أداة " من أدوات صراع موازين القوى ليكون النظام الدولي نظام هيمنة وليس نظاما قائما على مشروعية مستمدة من القانون الدولي القانون الدولي والنظام العالمي مع مرور أكثر من ستين عاما على نهاية الحرب العالمية الثانية اختلطت المشاهد كثيرا في الواقع الدولي، مم ّا شمل التمييع والتزييف والخلط على صعيد المصطلحات الأساسية لاستيعابه كما هو، من ذلك ما يطلق عليه " القانون الدولي العام " ، والقائم على جملة مبادئ صيغ بعضها في المواثيق الدولية كميثاق الأمم المتحدة، وكانت حصيلة تطوّر تاريخي طويل الأمد، وهذه ثابتة تشكل البنية الأساسية للشرعية الدولية وتوصف لدى المتخصصين بالقانون الدولي العام .
ومن هذه المبادئ ذات العلاقة بالمحكمة الجنائية الدولية : المساواة بين جميع الدول - سيادة الدولة - وحدة أراضيها - عدم مشروعية اغتصاب الأراضي بالقوة - حق تقرير المصير للشعوب .
ويوجد المزيد في مواثيق أخرى، ومن ذلك مثلا : حصانة المسئولين السياسيين لضمان حرية حركتهم عالميا .
ويوجد فارق كبير وحاسم بين هذا القانون الدولي العام، وبين ما يوصف بالقانون الدولي التطبيقي، والذي نشأ نتيجة التعامل مع الواقع العالمي القائم على التوازنات التي تفرضها طبيعة النظام العالمي وليس على الشرعية الدولية، أي القانون الدولي العام .
تثبيت مبادئ القانون الدولي العام تزامن مع نشأة نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، أي نتيجة اعتبارات موازين القوى الجديدة التي خلّفتها، فابتُكر له مثلا ما سمّي " حقّ " الفيتو - النقض في مجلس الأمن الدولي، ويسري شبيه ذلك على مختلف " الأنظمة " المقرّرة لتسيير أعمال الأمم المتحدة وفروعها والمنظمات الناشئة إلى جانبها والمرتبطة بها، ففي هذه الأنظمة كثير مما يتناقض أيضا مع مبادئ الشرعية الدولية، كتناقض " حق " النقض مع مبدأ المساواة بين الدول . وكما هو الحال مع أي دولة من الدول، بغض النظر عن نوعية الحكم فيها، يحتاج النظام الدولي إلى هيئة لها صلاحية المرجعية في تحديد مشروعية القوانين والقرارات والأنظمة والممارسات السياسية وغير السياسية، وهو ما تعرفه دول عديدة باسم المحكمة الدستورية أو المحكمة العليا .وكان هذا مطروحا أيضا عند تشكيل نواة النظام العالمي مع تأسيس الأمم المتحدة، وجرى تعطيله كيلا يكون فوق قرار " القوّة المهيمنة " عبر الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن جهة تحكم على مشروعية قراراته .
في هذا الإطار تم تقليص صلاحيات محكمة العدل الدولية في لاهاي، القائمة قبل قيام الأم المتحدة نفسها، وفي هذا الإطار أيضا كان تعطيل قيام " محكمة جنائية دولية " تم اقتراحها آنذاك، أي في فترة ممارسة ما سمّي محكمة نورنبيرج لأعمالها بمحاسبة زعماء النازيين الألمان بعد الحرب، ومن أسباب التعطيل عدم " تعميم " ما صنعته محكمة نورنبيرج، كيلا يطال الأمر من ارتكبوا جرائم حربية في هيروشيما وناجازاكي ودرسدن وغيرها .
استمر هذا التعطيل طوال خمسة عقود، أي في حقبة الحرب الباردة والسنوات الأولى التالية لها، فلم يتجدّد الحديث إلا بعد حروب البلقان، ومع مذابح رواندا، أي أواخر التسعينيات من القرن الميلادي العشرين، فانعقد اجتماع روما التأسيسي للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998م .
اغتيال المشروع الأصلي
مشروع ميثاق المحكمة الأصلي كان يريد لها أن تكون :
- 1 محكمة مستقلة استقلالا مضمونا عبر آلية تشكيلها وشروطه، عن أي جهة من الجهات الدولية الأخرى، أو دولة من الدول .
2 محكمة ذات صلاحيات شاملة للتعامل مع أي دولة، أو جهة، أو فرد مسئول، دون الرجوع إلى جهاز آخر كمجلس الأمن الدولي، ودون انتظار تكليف من جهة من الجهات الدولية، ويمكن لأي جهة أن تتقدم بشكوى لها للنظر في قضية من .-القضايا، وفق نظام معين
- 3 تحديد ميادين اختصاصها فيما يتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية .
جميع ذلك تعرّض للتعديل، والتقليص، والتشويه، إلى درجة جعلت الميثاق الذي تمّ إقراره مختلفا اختلافا جذريا عن الصيغة الأصلية، وغيّبت الهدف الأهمّ من إنشاء المحكمة الجديدة، وجميع ذلك كان بجهد مباشر من جانب الولايات المتحدة الأمريكية " ويحسن التنويه أن ذلك كان في عهد كلينتون ..فنهج التعامل مع الشرعية الدولية لم يختلف مضمونا وإن اختلف أسلوبا عبر وصول بوش الابن والمحافظين الجدد للسلطة " . شاركت واشنطن في المفاوضات التأسيسية حتى اللحظة الأخيرة وكان الهدف الرسمي صريحا ومعلنا، وهو التأثير على صياغة الميثاق وإن لم تصادق عليه في خاتمة المطاف، وهو ما كان فعلا، كيلا تصل أنشطة المحكمة إلى أحد من
المسئولين فيها أو حتى جنودها ومواطنيها، سيّان ما يصنعون، فمجرد توجيه الاتهام لهم عبر المحكمة الدولية مرفوض .
ثم أضافت واشنطن إلى ذلك عقد اتفاقات ثنائية مع عدد من دول العالم،ليكون للأمريكيين، عسكريين ومدنيين، على أراضيها، حصانة تجاه أيّ ملاحقة قضائية بما يشمل الملاحقة القضائية الوطنية، أو عبر المحكمة الجنائية الدولية بعد تشكيلها .
السوابق الدولية ..غير القانونية
أصبحت المحكمة الجنائية الدولية نتيجة لهذه التعديلات - مثل علاقاتها بمجلس الأمن الدولي، وطريقة تقديم الشكاوى - مقيدة غير مستقلة، محدودة الصلاحيات، لا تستطيع الوصول إلى مسئول من المسئولين إلا بشروط معقدة .وهذا ما ساهم في قابلية استخدامها كأداة، مثل أجهزة دولية أخرى، وتعبير استخدامها أداة ..يعني تحريكها ..أو تنويمها ..على حسب مصالح من يصنع ذلك ويمتلكه في إطار موازين القوى في النظام العالمي القائم، ولا عبرة في ذلك بمدى توافقه مع القانون الدولي العام - الشرعية الدولية، أو مخالفته وانتهاكه، وعندما تتجاوز المحكمة الجنائية الدولية صلاحياتها كما في حالة البشير، فهي لا تصنع ما يختلف عمّا يصنعه مجلس الأمن الدولي بمنطق القوة المهيمنة .
اعتمدت واشنطن في تمرير التعديلات على الضغوط من جهة، وعلى طرح قابلية عضويتها كإغراء للدول الأخرى من جهة ثانية .ومن أهم ما توصلت إليه أن يسري الميثاق على الدول التي تصادق عليه، وهو ما يعني عدم ملاحقة هذه المحكمة الدولية للمسئولين في دولة لم تصادق على ميثاقها، وهو ما يسري على الولايات المتحدة الأمريكية كمثال، ويسري على السودان أيضا .
هنا تبدو أهمية التمييز بين القانون الدولي العام والنظام العالمي القائم على موازين القوة، وإطلاق وصف " القانون الدولي التطبيقي " على تعامله تبعا لذلك، عبر قرارات تصدر عن أجهزة دولية، فتصبح لها صفة القانون الدولي التطبيقي ..وليس الشرعية الدولية بالضرورة، أو عبر معاهدات ثنائية وإن كانت جائرة بحق الطرف الأضعف، أو ما بات يسمّى السابقة القانونية الدولية .
إن الأوضاع الدولية وفق ما سبق لا تختلف كثيرا عن أوضاع دولة يحكمها نظام استبدادي، فحديثه عن دستور وقانون لا يتجاوز حدود بنود وفقرات تمت صياغتها من منطلق سيطرته وليس من منطلق مبادئ تعلو عليه كالحقوق والحريات الإنسانية وحق تقرير المصير وما ينبثق عن انتخابات وعن فصل السلطات وسيادة القضاء ..فإذا تحدث عن مخالفة الأمن والنظام، تحدث عن شيء آخر، لا يكتسب صفة المشروعية، بل هو جزء من وضع الاستبداد القائم على السيطرة بالقوة . وكلمة السابقة القانونية الدولية المعروفة في الأنظمة القضائية، غير تلك التي أصبحت تستخدم على نطاق واسع في التعامل الدولي، فصدور حكم قضائي يمكن اعتماده كسابقة لدى النظر في قضية تالية؛ لأن الحكم الأول قائم على أرضية مشروعية القوانين التي صدر بموجبها ، ولا أحد يتصوّر اعتبار أحكام صدرت في فترة استبدادية عبر محاكم استثنائية خاضعة لإرادة النظام الاستبدادي أو دون محاكمة أصلا أي تنفيذا مباشرا لإرادته، يمكن أن تكتسب صفة " سابقة قانونية " يرجع إليها القضاء في فترة حكم عادل يلي الحكم الاستبدادي .
ما يوصف بالسابقة القانونية الدولية في تعامل المسيطرين على النظام العالمي يفتقر إلى أي أساس يمكن اعتماده من المشروعية الدولية وفق القانون الدولي العام، ولا يؤخذ به أو يتم السكوت عنه إلا بتأثير موازين القوى، ومثال ذلك الغزو الأمريكي لبنما، واعتقال رئيسها، ومحاكمته، وتنفيذ الحكم به .
جميع ما يحدث تحت هذا العنوان يجري لتغيير معالم النظام العالمي، ولا يمكن اعتباره مصدر تغيير مبدأ من مبادئ القانون الدولي العام، أي الشرعية الدولية .
قد تتلاقى ..أو لا تتلاقى ..عمليات " السوابق " من هذا القبيل مع مبدأ العدالة في قضية من القضايا " ومع روح مبادئ القانون الدولي العام " وأشهر مثال على ذلك، الحرب الأطلسية ضد صربيا دون الرجوع إلى مجلس الأمن الدولي، تحت عنوان تحرير كوسوفا آنذاك، فالترحيب بهذه الخطوة ينسجم مع عدالة قضية كوسوفا، ولكن الترحيب دون تحفظ، هو ما يجعل من ذلك سابقة في ممارسات " النظام العالمي " ، وقد اعتُمد عليها في تحريك حلف شمال الأطلسي لدعم القوات الأمريكية بعد غزوها لأفغانستان .
من صدام ..إلى البشير ..إلى ...
حرب احتلال العراق، واعتقال رئيسه، ومحاكمته في ظل الاحتلال، وإعدامه، يمثل بدوره سابقة لتغيير نوعية التعامل الدولي وفق ممارسات عسكرة الهيمنة، والمشاركة العربية الجزئية أو مجرد السكوت بعد اتخاذ أي إجراء مضاد للعدوان ولو في مستوى العلاقات الدبلوماسية، إن لم يكن العلاقات العسكرية والتجارية وغيرها، هي التي تجعل من هذه السابقة بوابة لإسقاط حصانة أي مسئول آخر ، بغض النظر عن نوعية حكمه داخل البلد الذي يسيطر عليه، أي فقط بانتظار أن تأتي ظروف دولية يراد فيها التخلص منه، وإن سبق الاعتماد عليه والامتناع عن انتقاد ممارساته المحلية والإقليمية .المحكمة الجنائية الدولية التي لا تملك صلاحية إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تصادق على ميثاقها، رغم كلّ ما ارتكبه ويرتكبه من جرائم حربية يحمل مسئوليتها، ولا تقتصر على جوانتانامو وأبو غريب، وما ارتكبه داخل بلده بما يخالف القوانين فيها أيضا كما كان في التنصّت غير المشروع على مواطنين أصبحوا يعاملون معاملة استثنائية كمواطنين من الدرجة الثانية ليأتي " الكونجرس " من بعده ويمنحه مع منفذي سياساته حصانة بأثر رجعي ..هذه المحكمة الجنائية الدولية لا تملك أيضا صلاحية استصدار مذكرة توقيف بحق أي مسئول في بلد
كالسودان لم يصادق عليها، ناهيك عن مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني .
ومن يقبل بذلك يعرض نفسه لمعاملة بالمثل ..عندما يحين الوقت المناسب للهيمنة الحاكمة في النظام العالمي .
وإذا كان السياسيون يحكّمون اللحظة الآنية في سلوكهم، ولو كان ذلك فيما يتعارض مع حصانتهم ومصالحهم الذاتية ومصالح بلادهم وشعوبهم، فلا ينبغي أن يمتنع أحد من أصحاب التأثير الأدبي، فكرا وإعلاما على الأقل من العمل على رفض الاستبداد الدولي القائم بمختلف أشكاله وإفرازاته وممارساته، جنبا إلى جنب مع رفض الاستبداد المحلي القائم بمختلف أشكاله وإفرازاته وممارساته، والبديل هو العمل دون انقطاع لتثبيت الشرعية الدولية بمبادئها الأصيلة دون تزييف، وتثبيت دساتير شرعية وأوضاع قانونية وتطبيقية مشروعة، في مختلف البلدان، لا سيما البلدان العربية والإسلامية، فالاستبداد الدولي والاستبداد المحلي، وجهان متماثلان لعملة واحدة، وعواقب جسيمة يولّد بعضُها بعضَها الآخر .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.