ربما كانت " النفس اللوامة " التي قسم بها الله عز وجل في كتابه العزيز هي نفسها " النفس المطمئنة " التي تستحق ان ترجع الى ربها راضية مرضية . قلق النفس وتصارع هواها وما يعتريها من مد وجزر وما تبلوره من محاسبة ذاتية، كل ذلك كفيل بأن يطهرها من الخبائث ويدفع عنها الارجاس، ويهيئها للتزكية والتسامي، وللعروج الى مرتبة " احسن تقويم " التي خلق الله الانسان عليها، ثم رده عنها الى حيث يضرب في تجاربه وفي تصاريف ابتلائه، وبين له انه سيكون في خسر ما لم يكن من " الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " وليس يختلف المجتمع عن الانسان الفرد في كون يقظة الضمير اساسا للاصلاح، وسبباً لاستشعار التقصير، ولا في كون الايمان والعمل الصالح والاستمساك بالحق والتحلي بالصبر هي عناصر الاصلاح ومقومات الفلاح . فالذين يركنون الى واقعهم ويرضون عن ذواتهم هم في الغالب اعداء كل تغيير واصلاح، وهم الذين يرفعون شعار " ليس بالامكان ابدع مما كان " وهم الذين لا يتناهون عن منكر فعلوه والذين يفسدون في الارض وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً . لقد اخذ هؤلاء الى ما هم فيه " ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها " فما ثمة نفس لوامة بينهم . يقول الراديكاليون ان الاصلاح ترقيع، وانه هدهدة وتخدير، وان غايته ان يطول عمر الفساد وان يزداد قوة ورسوخاً .والحل عندهم سريع ومريح ونهائي وهو ان يحرقوا كل شيء وان يحولوا الواقع الى انقاض او الى صعيد زلق يزعمون انهم سيبنون عليه واقعاً جديداً مبرأ من كل سوء . وهكذا، فقد ضيع الراضون جداً والغاضبون جداً معنى " الاصلاح " وغيبوا عناصره التي لا تقوم له قائمة بدونها، وهي الايمان والعمل والاستمساك بالحق والتحلي بالصبر . على ان للاصلاح بحمد الله من يصبرون له ويتحملون مسؤولياته - على قلتهم وضعف ناصرهم - هم ملح الارض وقوام المجتمع ومسكنه ان ينتقص او يزول . عبدالحميد الدرهلي