لأن الإنسان لا يستطيع الاستغناءعنه إلا لدقائق معدودة، لا يجب أن يحتوي الهواء الذي يتنفسه البشر على ملوثات، من شأنها أن تسبب أضراراً بالصحة العامة وكافة أشكال الحياة والبيئة، سواء على المدى القريب أو البعيد. فقد توصلت دراسة أمريكية جديدة إلى أن تلوث الهواء قد يكون مسئولاً عن أكثر من مليونيّ حالة وفاة حول العالم سنوياً, وذكرت الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة شمال كارولاينا، أن حوالي 2.1 مليون حالة وفاة سنوياً متصلة بجزيئيات صغيرة قد تدخل إلى أعنق الرئتين، وتسبب مشاكل صحية. ويقول الباحثون: إن التعرض للجزيئات الملوثة متصل بالموت قبل أوانه نتيجة الإصابة بأمراض القلب أو الرئتين، ومن ضمنها سرطان الرئة، وقد ازدادت كثافة هذه الجزيئيات نتيجة نشاطات الإنسان. كما أوضحت الدراسة أن حوالي 470 ألف حالة وفاة تتصل بالأوزون الناتج عن نشاطات الإنسان الذي يتشكل حين تجتمع ملوثات ناتجة عن مصادر مثل السيارات والمصانع وتتفاعل معاً, ويتصل التعرض للأوزون بزيادة الوفيات نتيجة الإصابة بأمراض تنفسية, وتسجل معظم الوفيات في شرق وجنوب أسيا حيث الكثافة السكانية وارتفاع مستويات التلوث في الهواء. ومن شأن التعرض على المدى الطويل للتلوث بالجزيئيات زيادة خطر الإصابة بسرطان الرئة، حتى لو كانت الكميات أقل من الحد الأقصى المسموح به على الصعيد الأوروبي، أما على المدى الطويل، فمن شأن تفاقم هذا التلوث أن يستدعي دخول المرء إلى المستشفى، أو يزيد من خطر الوفاة من جراء قصور في القلب، بحسب دراسة أخرى، وهذه الجزيئيات تصدر عن النشاطات الصناعية، أو تلك التي يقوم بها الإنسان، من قبيل الزراعة، بالإضافة إلى أنظمة تدفئة المنازل وحركة سير السيارات.. وهي صغيرة بما فيه الكفاية للتغلغل في الرئتين. وقد قامت مجموعة من الباحثين الأوروبيين يترأسها "أوله راشو نيلسن" باستعراض 17 دراسة أوروبية شملت 313 ألف شخص، خلصت إلى أن تفاقم التلوث بالجزيئيات الدقيقة (5 ميكروغرامات في المتر المكعب الواحد) يزيد من خطر الإصابة بسرطان في الرئة بنسبة 18%، في حين ترتفع هذه النسبة إلى 22% مع ازدياد الجزيئيات الأكبر (10 ميكروغرامات في المتر المكعب الواحد), وفي الأبحاث الثانية التي نشرت نتائجها مجلة "ذي لانست"، استعرض باحثون من جامعة "أدنبره" في أسكتلندا 35 دراسة لتقييم المخاطر المحيطة بالتعرض لهذه الجزيئيات، وأربعة مواد أخرى تلوث الغلاف الجوي هي أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وثنائي أكسيد النيتروجين والأوزون, وخلص الباحثون إلى أن التعرض البسيط لهذه الملوثات يزيد من احتمال الدخول إلى المستشفى أو خطر الوفاة من جراء قصور في القلب بنسبة تتراوح بين 2 و 3%. جدير بالذكر أن مشكلة تلوث الهواء بدأت في الظهور بشكل فعلي بعد الحرب العالمية الثانية، وظهور البترول وما تلاها من ثورة صناعية, فقد انتشرت المصانع المختلفة في كل مكان، كما انتشرت السيارات وآليات النقل، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع حاد في نسبة الملوثات الهوائية وذرات الغبار في الجو، بعد أن انصب اهتمام الناس على التطور الصناعي والاقتصادي دون النظر إلى أبعاده البيئية.