لأنها ذات قُدرة كبيرة على النفاذ إلى حيث الزمن الجميل قبل وصولنا إليه إستطاعت الكاتبة فاطمة سرحان استنطاق الحروف إبتهاجاً بقدوم الشهر الفضيل من خلال العديد من عناصر التكثيف والرمزية والتشويق لتتعاضد كل تلك الأدوات اللغوية جنباً إلى جنب فتُخرج لنا نص بسيط البناء عميق الإحتواء ( وذهب الظمأ ) لملم العام أمتعته راحلا .. وأودع في صفحاته خبايا أعمالنا .. وطويت .. وأُسدل الستار .. وبدأ العد التنازلي فالسماء تستعد لتبدل ألوانها وتناثرت نقاط الضوء في جنبات الشوارع واشتعلت المآذن شوقا .. ومحاجرها تبكي فرحة الخير ونداءات الإيمان وصوت المؤذن يصدح في الآفاق .. ( حي على الصلاة .. حي على الفلاح ) وخلف الأبواب أصوات تتعالى : ( كفّوا أيديكم لقد وجب الصيام ) وتعاف النفس لذة الشراب وتظمأ الحناجر لرائحة الجنان وقد هدأ الكون .. في صفوف كالبنيان .. لبيك ربي .. لبيك يا ذا الجلال والإكرام .. نوافذ المساء تفتح أبواب الريان وقد سعى لها ألف مشتاق و طلّاب رباه .. لك الحمد أن فتحت لنا سواعد الرضا وبلغتنا نزهة الأيام والشهور وأعدت مضمار السباق وها قد شمّر المتسابقون نحو بابك .. بلقمة أسد بها عطش محروم وشربة أروي بها كبد ظمآن وأذن تشنف بآية أرتلها ودعوة عانقت قلب السماء ومسك الأفواه فاح مستغفرا في الأكوان وأعلنت الشمس الوداع وتجملت الموائد بطيباتك يا الله والروح زهدت طمعا في ثمار جنانك وما من ظمأ يقلق الجسد إلا لنهلة من الكوثر .. وارتفعت الأكف إلى سمو ذاتك وعظيم عطاءك رباه .. دعونا فاستجب وهللت المساجد والأفواه تردد ( الله أكبر .. الله أكبر ..) اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا ، ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شئت يا الله ابتلت وما ارتوت أفطرت وما شبعت فالشوق إلى لقياك إلهي يتجدد والفضل منك لا يُرجى زواله واغتسل السكون وتطيّب العود معطرا الأرجاء وتكاثرت الخطوات واعتلت آياتك الأسماع ونفحات التراويح تضفي الطمأنينة في المساء وتجلي ما بالروح من سقم لبيك إلهي .. ها قد نُفض تراب الهجران وزاد بكلامك الاتصال وكأن الروح تناجي بارئها وتسره ما هو أعلم به منها وعاد موسم الحاجات .. موسم الخيرات ونهر جار بالعطايا والأمنيات حياك يا رمضان حييت يا هدية المنان أهلا بليلة هي خير من ألف شهر رباه بلغنا رمضان وقاسمنا أيامه وخيراته مع من نحب من الأهل والخلان واكتب لنا الغفران وأعتقنا برحمتك وفضلك من فوهات جهنم ولهيب النيران رباه .. في تسعة أشهر غادرنا عالم الأجنة عراة من كل ذنب فاكتب لنا الخروج من تاسع أشهرنا كأول يوم تنفسنا فيه خارج جدار الرحم الكاتبة فاطمة سرحان الزبيدي