زينب البحراني قاصة سعودية استطاعت أن تقتحم المشهد الثقافي السعودي في وقت قياسي من خلال قدرتها الكبيرة على اختزال اللغة والسرد المغاير الذي تجلى من خلال مجموعتها القصصية الأولى (فتاة البسكويت )والتي كانت بمثابة شهادة ميلادها الأدبي من وجهة نظر أقرانها من الأدباء . *بداية ما هو انطباعك عن الزخم السردي الذي تشهده المملكة العربية السعودية ؟ - لا أظنّ أنني مؤهّلة فعليًَّا لتقييم أيّ عملٍ سردي بموضوعيّة وافية على اعتبار أني لست ناقدة مُختصّة بهذا المجال، لكن إن أردت رأيي القائم على وجهة نظري الخاصّة، فإنني أعتبر أنّ الغالبيّة العظمى من تلك الأعمال السرديّة المكتوبة لا تعبّر عن أكثر من حالة (حمل كاذب) .. وحده المستقبل بوسعه تأكيد الحقيقة حين يضمحلّ الزّبَد ويبقى ما ينفع النّاس بإذن الله. * هل تعتقدين أنك تعبرين عن واقع المرأة السعودية وتتحدثين بصوتها في أعمالك المختلفة؟ - مادام كلّ من شهادة ميلادي وجواز سفري وبطاقة هويّتي الشخصيّة تؤكّد أنني أنثى (سعوديّة الجنسيّة) أينما كنت وصرت، ومادام عنوان بيتي الثّابت مغروسًا في السّعوديّة، ومادام حنيني الأبدي يعود أينما رحلت إلى السّعوديّة، ومادمت رغم كلّ شيء ، رغم كلّ شيء ، رغم كلّ شيء عاجزة عن قطع الحبل السرّي الذي يربط قلبي بأمي الأولى (السّعوديّة) ، فلا أظنّ أنني أتكلّم بصوت أنثى من الإسكيمو أو جنوب أفريقيا، ولأجل انتمائي المؤكّد لبلدي فإنني أرفض الاكتفاء بشخبطة مذكّرات أجزاء من حزني الكبير كامرأة تعيش على أرض هذا البلد، حين وضعت قدمي على أولى عتبات بلاط عرش الأدب اتخذت قرارًا بالدّخول والبقاء هناك إلى الأبد، وليس مجرّد إثارة ضجّة قصيرة الأمد ثمّ يطردني تاريخ الكتابة من فردوسه إلى مزبلة النّسيان. ولهذا السبب أحلم وأحاول تحقيق حلمي بكتابة أعمال تتحدّث بصوتي أنا كامرأة سعوديّة في الوقت الذي لا يشعر فيه أي مواطن سعودي آخر بالخزي من انتماء قلمي لهذا البلد العزيز، أنا أرفض الابتذال، الإباحيّة، المباشرة، السطحيّة، الاستهتار بالرّأي العام ومنظومة الأسرة بحجّة كتابة (أدب..قليل الأدب) كموضة هذه الأيّام . ولأنني أؤمن بأنّ جميع محاولات المبالغة في تضخيم فساد واقع المرأة السعوديّة بأسلوب وقح الفجاجة تقدّم خدمة كبيرة للمنظومات الاستعماريّة والصّهيونيّة والإمبرياليّة العالميّة التي تتربّص بمستقبل وطننا العربي الحزين بأكمله. أؤمن كذلك أنّ المرأة السعوديّة نفسها أوّل من يمتلك مقاليد تحرير الذّات من سلطة إذلال المكرّسات الاجتماعيّة اللاواعية حين تتخلى عن الاستسلام لقدر ذرف الدّموع في زاوية مظلمة من حمّام دارها دون التحرّك لاسترداد حقها الذي وهبها إيّاه الله ثمّ عدالة الكثير من القوانين الرّسميّة في البلد نفسه. من هذا المنطلق وأمثاله أتحرّك بقلمي على الورق، ومن هنا أدعوك وأدعو جميع المهتمّين من الأصدقاء لقراءة كتابي المقبل الذي ستجد جزءًا منه يتحدّث بإذن الله تعالى عن مشاكل الكاتبة السعوديّة على وجه الخصوص، من وجهة نظر تجربتي الخاصة في هذا المضمار. *كيف تنظرين لواقع الثقافة في الخليج العربي عموما؟ - ليس هناك عموم من هذه النّاحية، هناك مناطق تتنفّس الثقافة بكثافة تتفوّق على نفسها بين يوم وآخر. وهناك مناطق يحتاج واقعها الثقافي إلى إنعاش قلبي رئوي سريع قبل أن يقول النّاس بأسى: رحم الله الثقافة في تلك المنطقة. *الخطاب الثقافي العربي هل بات يمثل هموم وتطلعات وأحلام الإنسان العربي أم أنه تحول إلى خطاب مغرق في الذاتية؟ -ليس هناك ما يسمى بالخطاب الثقافي (الواحد) كي يسعنا التعميم بشأن تحوّله أو تطوّراته.. ولا تنسَ أنّ (المُخَاطَب) ثقافيًّا يتقاسم المسؤوليّة مع (المُخاطِب) خصوصا أما التغيّرات الخطيرة في المجتمعات العربيّة خلال هذه الفترة من فترات الحِراك الاجتماعي والاقتصاديّ المتسارع، والتي أدّت إلى انقلابات حتى فيما عبّرت عنه ب (هموم وتطلّعات وأحلام الإنسان العربي) .. حين ترتدّ للثقافة هيمنتها التي كانت قبل أن تفرض تفاهات العولمة سلطتها على عقليّة الإنسان العربي الشاب وتقولب أحلامه الجديدة، يمكننا التفكير بمسؤوليّة الخطاب الثقافي على اختلاف توجّهاته. *إلى أي مدى استطاع الكاتب العربي أن يعبر عن قضايا أمته ؟ -الكاتب العربي هو مواطن عربي بالدّرجة الأولى، ولابدّ لمقياس درجة حرارة مشاعره من التأثّر ارتفاعًا وانخفاضًا بتغيّرات الأجواء الاجتماعيّة والسياسيّة من حوله، لكنّ من يحمل قلمًا ذا رسالة وأهداف أصيلة الرّسوخ في أعماقه لا يقع في فخ (السّقوط) الأبدي تحت أنقاض أي انكسارات سياسيّة أو اجتماعيّة أو ماديّة أو حتى عاطفيّة، لإدراكه المؤكّد أنّ الأحداث من حوله تتبدّل على مرّ الأيّام والأجيال، بينما العمل الأصيل وحده الذي ينال فرصة الخلود. *الانترنت ..ما هو الدور الذي لعبه في المشهد الثقافي العربي ؟ -لا شكّ أنّ دور الشبكة العنكبوتيّة الالكترونيّة يكاد يتفوّق على دور بقيّة الوسائل الإعلاميّة الأخرى في عصر (العولمة) الحديث في الإعلان عن وجود الكاتب الحقيقي ومد جسور التواصل بينه وبين المزيد من رفاق درب القلم على امتداد أرجاء الوطن العربي، فضلا على السّماح للجمهور العربي بمواكبة تدفق قدر لا بأس به من جوانب الثورة الثقافيّة في تلك البقاع. لكننا ما زلنا نتكئ على ضرورة الحذر من تفاقم خطورة مشكلتين رئيسيّتين: الأولى هي تصاعد معدّلات السّرقات الفكريّة والأدبيّة من قِبَل عدد لا بأس به من المرضى المتسللين إلى هذا المجال، والثّانية هي سقوط الكثير من أعشار الموهوبين وعديمي الموهبة في مصيدة الوهم بأنّهم من جهابذة الأدب العربي بمجرّد نشر بضع سطور هشّة على صفحات بعض المنتديات المغمورة ضئيلة المكانة والأهميّة، فيفسدون بجنون عظمتهم الوهمية في هذا المجال ذوق العاجزين عن تمييز الفرق بين القشر واللباب في هذا الميدان، خصوصا مع عدم وجود الضّوابط التي تحكم تلك القضيّة مؤكّدة الفرق بين مكانة الثقافة الأصيلة والأدب الحقيقي وبين التفاهات المتنكّرة في قشور ما يظنه البعض أدبًا أو ثقافة.