بينما تشهد العديد من الدول العربية والإسلامية إقبالا متزايدا على الاستهلاك بشكل غير مسبوق، خاصة في الأعياد، تثار العديد من التساؤلات حول كيفية خلق نوع من التوازن بين طموحات الاستهلاك والادخار، بحيث نوجد معادلة حقيقية وفعالة تستطيع من خلالها هذه المجتمعات تلبية احتياجاتها من النمو والاستقرار الاقتصادي مستقبلا. ويعتبر الاستهلاك مفهوما منافسا للادخار الذي يعد نوعا من التنازل مؤقتا عن جزء من الاستهلاك الحالي لصالح فترات مستقبلية أكثر إلحاحا. ورغم تعارض المفهومين في المقصد والهدف، فإنه ثمة طرقا وحلولا وسطا يمكن معها للمجتمعات أن تشبع رغباتها في الاستهلاك مع تحقيق معدلات من الادخار تمكنها من تحقيق معدلات نمو على مستوى الاقتصاد الكلي. فمن الممكن تقسيم الدخل -كما يقول الخبير الاقتصادي د. مختار الشريف- إلى استهلاك وادخار، عبر موازنة معقولة بينهما يمكن من خلالها الوصول إلى مستوى الإشباع المطلوب. الاستيراد يمنع فوائد الاستهلاك ويوضح أنه لا يمكن إنكار دور الاستهلاك في زيادة وتيرة عجلة الإنتاج داخل المجتمعات، إلا أن ذلك لا يتحتم حدوثه في كثير من الدول العربية، خاصة إذا ما كانت تميل إلى استيراد نسبة غير قليلة من السلع الاستهلاكية لديها. وبالتالي فإن هذه الزيادة في معدلات الاستهلاك ستؤثر بشكل عام على الاقتصاد الكلي للمجتمع بسبب الاعتماد على الاستيراد الذي يجعل القيمة المضافة من وراء الاستهلاك المحلي تنقل إلى الخارج ولا تصب في حركة عجلة الإنتاج المحلية، ويؤدي ذلك إلى زيادة الفجوة بين الواردات والصادرات؛ وهو ما يؤثر بالسلب على الاقتصاد. إغراء الإعلانات أهم الأسباب وهناك عدة أسباب وراء حمى الاستهلاك، أبرزها ثورة التطلعات التي تحركها حملات الدعاية والإعلان بشكل غير طبيعي، خاصة في دول الخليج العربي، حيث برع أصحاب شركات الدعاية والإعلان في استغلال الفضائيات في ترويج السلع والخدمات وتزيينها للمستهلكين.وتكشف إحدى الدراسات التي أعدتها مؤسسة أبسوس- ستات لأبحاث السوق أن حجم السوق الإعلانية العربية في تزايد مستمر لأسباب عديدة أهمها زيادة الاستهلاك والانفتاح على العالم الغربي وزيادة مجالات الاستثمار. وقدرت الدراسة حجم الإنفاق الإعلاني العربي في العام الماضي 2005 بأكثر من 3 مليارات دولار، يقدر نصيب دول الخليج منها بنحو مليار و100 مليون دولار تقريبا، مشيرة إلى أن السوق الإماراتية تعد الأولى في العالم العربي؛ إذ يقدر حجم الإنفاق فيها ب 904 ملايين دولار يليها السوق السعودية بحجم إنفاق يقدر بنحو 890 مليون دولار. وفي ظل مد حملات الدعاية التي تجتاح ثقافة المستهلك، فإنها ساهمت بدور كبير في تغيير الأنماط الاستهلاكية والتطلع إلى الحصول على المنتجات والسلع والخدمات ليس الأساسية فحسب، بل والكمالية أيضا.ويشير د. الشريف إلى أن العديد من حملات الدعاية تلجأ إلى تضخيم حجم الإغراءات لجذب أكبر عدد من المتفاعلين معها، من خلال اللعب على رغباتهم ودوافعهم الموجودة بالأصل، مضيفا أن هذه الرغبات هي التي تحرك للأسف بشكل عملي دورة الاقتصاد. كما ضاعفت الزيادة السكانية من المشكلة، حيث يعتبر معدل الزيادة السنوية في السكان بالدول العربية والإسلامية من أعلى المعدلات في العالم، وتصل إلى 3% سنويا، ويترتب على هذه الزيادة زيادة مماثلة في الطلب على الغذاء وعلى سائر السلع والخدمات الأساسية والكمالية. ويؤكد د. الشريف على ضرورة أن تلعب منظمات ومؤسسات حقوق المستهلك أدوارًا حقيقية في توعية المجتمعات بأهمية الاستهلاك الفعال المؤثر إيجابا في اقتصاديات الدول وعجلة إنتاجها. دور جمعيات حماية المستهلك وتقول د. سعاد الديب رئيسة الجمعية الإعلامية للتنمية وحماية المستهلك، وعضوة مجلس إدارة الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك العربية: إن لجمعيات حماية المستهلك دورًا بارزًا وفعالاً في المجتمعات الغربية من ناحية وضع أسس لاقتصاديات هذه الدول، لما لها من أدوار في التوعية بأهمية الاستهلاك البناء لاقتصاد المجتمع وعمليات الاستثمار والادخار معا بشكل غير متناقض، مشيرة إلى أن هذه المنظمات تبدأ بالفرد وتصب في منظومة المجتمع بشكل كامل. وتشدد د. سعاد على ضرورة أن تقوم منظمات ومؤسسات حماية المستهلك بأدوار مشابهة داخل البلدان العربية، إلا أنها أشارت إلى أن الكثير منها لا يزال بحاجة للدعم والانتشار داخل المجتمعات لتحقيق الأهداف المرجوة منها. أما القسم الثاني فيتمثل في الاستهلاك المعتمد على مستوى الدخل، وهو ذلك الجزء من الاستهلاك الذي يرتبط بدخل المستهلك، فكلما زاد دخله ازدادت أنواع وكميات السلع والخدمات التي يستهلكها، وبالتالي فهي علاقة طردية موجبة بين الدخل والاستهلاك.