كان رجلاً مهيباً في طلعته وقوراً في تصرفه. بهياً في صمته وفي تحركه كان قليل الكلام، يبعد عن الخوض فيما لا يعنيه، له نظراته التي لا تخيب في معرفة من أمامه، كان دقيق العبارة لا يسمح للسانه الخوض في سفاسف الكلام أو أن ينال من أحد أمامه مهما كان هذا الأحد لديه من المأخذ عليه. كان مؤمناً بما يعتقد «صابراً» في كل ما يصاب به كان حريصاً على مواصلة من يلوذ به من صلة قرابة أو حتى صداقة، كان وفياً لهؤلاء جميعاً. أذكر قبل وفاته رحمه لله بأسبوع أن ذهب إلى كل أقربائه بيتاً بيتاً كأنه يقوم بوداعهم كلاً في منزله.. ذات يوم طلب مني أن أطرق ذلك الباب الخشبي في أحد أحياء المدينةالمنورة كان الوقت قبيل المغرب. طرقت الباب فانفرج عن سيدة تخطت الستين من عمرها ناولتها ذلك الظرف لا أعرف ما به قالت إنه من «السيد» هززت رأسي بنعم.. فكان صوتها يأتيني وأنا أعطيها ظهري عائداً يلهج بالدعاء له ذلك الدعاء الذي مسني برهبة شديدة شعرت كأن مسام جلدي تنبهت أو كأنه شيء مسني من الداخل. لقد قالت فيما قالت: روح يا سيد ربنا لا يضيمك بعد ذلك أخذنا طريقنا إلى المسجد النبوي الشريف لأداء صلاة المغرب.. كان هناك رجل يبدو أنه من الجنسية الهندية وكان يفترش سجادته في الحصوة الثانية فما أن رآه حتى قفز من مكانه وأتى إليه عدواً. جلس بجانبه وراحا في حديث هامس يقطعه ذلك «الهندي» بالدعاء له بعربية مكسرة.. ثم يستغرقان في حديث طويل باللغة الأردية التي كان يجيدها إجادة تامة. ذلك الرجل طويل القامة يعطيك في طلعته بأنه أحد «المهيبين» لما يتمتع به من «سمت» في صورته ووقار في بهائه .. يخفي كل ذلك إيماناً عميقاً. فكان غيابه الطويل الذي يقضيه متنقلاً بين مدن «الهند» في كل سنة يجعله أكثر حضوراً عندهم حيث يلقى من الاحترام والتقدير ما لا يوصف. كان يتشاغل بتقليب مؤشر – الراديو – بجانبه إذا أحس أن ما يجري أمامه من كلام فيه لوم لآخر كان غائباً. كان صبوراً في تحامله على – المرض – أو أن يجعلك تشعر بأنه يتألم تسأله ما بك يقول – الحمد لله – راضياً. عندما يرى تصرفاً لا يعجبه أو خطأ ارتكب أمامه كانت ردة فعله نظرة تحمل كل معاني العتاب الصامت فهو لا يرفع صوته غضباً أو يده عقاباً بل يدع المخطئ يلوم ذاته «فيخاصم» نفسه بنفسه هكذا يجعله يذوب حرقة على ما قام به. ذات يوم قال لي: يا ابني هذه الدنيا لا تسوي شيئاً أبداً، فهي تمر بنا أو نحن الذين نمر بها «سيان» فلا يجب أن يتوقف الإنسان أمام صعوباتها أبداً. لقد كان حكيماً ذلك الصامت المستغرق في صمته، إنه المهاب في طلعته السيد عبدلله مكي بافقيه رحمه لله وأسكنه فسيح جناته.