تختلط في نفسي مشاعر السّرور والألم في آن واحد عندما أسمع أو أقرأ بيانات وزارة الداخلية التي تعلن فيها عن كميات المضبوطات الكبيرة من المواد المخدّرة التي يتم إجهاض دخولها إلى البلاد . أما مصدر السرور فهو نجاح رجال الجمارك أولا في مهامهم بالتّصدي لأولئك المهربين الخطيرين وإفشال مخططاتهم الخبيثة من نشر سمومهم بين أوساط المجتمع ونقدم التحية للرّجال المخلصين على جهودهم العظيمة وطرقهم الذّكية لكشف الأساليب الخفية والمحاولات الملتوية - من تلك العناصر الإجرامية الرّديئة التي تستهدف المجتمع - وندعو لهم بمزيد من التوفيق والسداد لفضح كل طرائق الاحتيال والتمويه لحماية الناس من تلك الآفة المدمّرة . أما مصدر الألم الذي يضجّ في نفسي كغيري من المواطنين هو تلك الأرقام العالية التي تُعلن عن أنواع المخدرات المهرّبة بين فترة وأخرى .. والتي توحي بأن لها سوقاً رائجة في الداخل وأن المتعاطين الذين ابتلوا بهذا الدّاء أكثر مما نتصوّر! وهي قضية خطيرة بكافة أبعادها وأجزم أنها تعدّ كارثة وطنية بما تعنيه الكلمة . فعمليات القبض على بعض المهربات لا يعني اكتشافها دائماً , فهناك عمليات قد تمرّ بأساليب ماكرة قد لا يتنبّه لها رجال الجمارك خاصة مع الواردات المهولة التي تصل إلى المملكة عبر المنافذ البرّية والبحرية والجوّية , مما يزيد من مسؤولياتهم وأهمية تزويدهم بكافة الأجهزة الحديثة والأدوات اللازمة ودعمهم بالكوادر المدربة واليقظة التي تقابل هذا الكمّ الضخم ممّا يدخل إلى البلاد . ولا شك أن أكثر المهربين قد لا يغامرون بإدخال الممنوعات عبر المنافذ التي تتعرضّ للتفتيش لخشيتهم أو توقعهم كشفها وخسارتهم لها وتعرضهم لنتائجها فيلجأون لتهريبها بعيداً عن المنافذ عبر الصحارى والسواحل والجبال , علما بأن أبطالنا البواسل من حرس الحدود لهم بالمرصاد والذين يستحقون الشكر والتقدير لما يواجهونه من صعوبات وما يقدمونه من بطولات لإنقاذ البلاد الغالية من براثن أعداء الدّين والوطن . ولأن حدود بلادنا متسعة جداً فإن الوضع يستدعي زيادة مدّهم بالطائرات الصغيرة والزوارق والأجهزة والرادارات وكافة المعدات للتصدي لكل الأشرار ومصدري الأضرار . إذ لا يغيب عن الأذهان أن دولتنا السعودية مستهدفة من أعدائها يساعدهم على ذلك بعض الفاسدين الذين يسعون لتحقيق الثراء على حساب مصالح الوطن والمواطنين , وكل همّهم أن يظلّ مجتمعنا مخدّراً خاملاً وغير منتج .. لتظلّ تجارتهم السيئة مستمرة . الأمر الذي يحتّم على الجميع التّنبه والتعاون والوقوف بقوة مع رجال مكافحة المخدرات ضد العابثين بأمن الوطن . ونجد أن المسؤولية تتعاظم أمام الجميع حتى لا تفتك تلك الآفة بشبابنا وبناتنا لا سيّما وأن الأرقام تتزايد من المتعاطين الذين يقعون تحت تأثير الإغراءات أو بدافع التّجريب بفعل العناصر الرّديئة التي تزيّن لهم هذا الفعل القبيح فيصبحون صيداً سهلاً ومصدراً للتمويل فيما بعد . ونتفق على أن هناك نجاحات مقدرة أنجزت بجهود كبيرة من رجال مكافحة المخدرات الصامدين وكذلك رجال الحسبة الصادقين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كافة مناطق المملكة بالكشف عن العديد من مصانع الخمور التي ضبطت في عدد من المدن وحتى القرى بكمياتها الكبيرة من المسكرات , وهي نتيجة حتمية للتعاون الجميل من بعض المواطنين الغيورين . وكانت سبباً في القبض على أصحابها والعاملين فيها , وجلّهم إن لم يكن جميعهم من الأجانب , الأمر الذي يستوجب التصدي لمثل هذا الاختراق المخيف والعمل الجماعي لإفشال كل عمل سيء يستهدف الوطن وأبنائه , ومواجهة كل الأمور التي تتنافى مع الدّين والقيم والأخلاق وتشكل ضرراً بل خطراً على الأفراد والمجتمعات من النواحي الأمنية والصحية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها ... وأخيراً فإننا مع هذا المزيج من المشاعر المختلطة نرى أن الإعلان عن قيمة المضبوطات قد يكون له نتائج عكسية سلبية من وجهة نظر الكثيرين وهو أمر لا يهم المجتمع بقدر ما يهمهم معرفة العقوبات الموقّعة على المهربين والمروجين فذلك أكبر أهمية لتحقيق الرّدع المطلوب.