تعتبر قضية التعريب من القضايا العصيّة على الحل، حيث مضى ما يقارب من قرن وموضوع التعريب مطروح في أروقة مجامع اللغة العربية، ودهاليز التعليم ودراسات وندوات المفكرين والمختصين، وفي قرارات وتوصيات المسؤولين...ولكن ظلت قضية التعريب تراوح مكانها - على أرض الواقع - رغم التحديات التي تواجه المجتمع العربي، أمنيًا، وثقافيًا، وعلميًا، وتقنيًا، تحديات تتمثل بصورة مباشرة في تهميش اللغة العربية، ومزاحمة اللغات الأجنبية لها في الكثير من مظاهر الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والإعلامية، والثقافية، حتى وصل الأمر إلى تغريب التعليم في مراحله المختلفة في بعض الأحيان.ورغم كثرة الدراسات، وتعدّد المشروعات حول التعريب وأهميته، لكن ظلت القضية عصية على الحل، كمعظم القضايا العربية المصيرية. فما هي المعوّقات؟ وهل هي معقوقات لغوية فنية، ترجع إلى طبيعة وإمكانات اللغة العربية؟ أم هي قضية إدارية وسياسية، نتيجة لسوء التخطيط، وغياب الرؤية، وعدم الثقة لدى القيادات التي تملك القرار في قدرات اللغة العربية، خلاف ما ينادي به أصحاب الاختصاص في هذا المجال؟. هذه تساؤلات مشروعة ونحن نستحضر مسيرة التعريب - نظريًا - طوال هذه السنوات الطويلة، وما بذل فيها من جهد ووقت، دون أن يتحقق شيء يُذكر على أرض الواقع. وإذا توقفنا عند التساؤل الأول وهو الجانب الفني اللغوي، ومدى إمكانيات اللغة العربية في التعبير عن المستجدات العلمية والتقنية المعاصرة، أو بمعنى آخر قدراتها على الوفاء بمتطلبات العلوم والمعارف الحديثة، ومواكبة العصر والتحديات التي تواجهها أمام اللغات الأخرى. فإن كل التجارب والدراسات، وآراء المختصين والمجامع العلمية تكاد تجمع أن اللغة العربية غير عاجزة عن استيعاب التطور العلمي والمعرفي بكل أبعاده. ومن يتتبع الدراسات والأبحاث والتقارير وقضية المصطلحات العلمية والفنية.. الخ. فإن هذه التجارب والدراسات أو معظمها يصبّ في صالح وصلاحية اللغة العربية على أنها لغة العلوم والمعارف، وفيها من المرونة، والخصائص، ما يمكنها من استيعاب المصطلحات العلمية والتقنية، ولكن الأمر يحتاج إلى تكثيف الجهود، وسرعة الإنجاز، والتخلص من التعقيدات الإدارية، والإجراءات (الروتينية) التي تستغرق، لإقرار المصطلحات، أو إعداد المعاجم. وحسب بعض الدراسات الإحصائية، عقد أحد عشر مؤتمرًا للتعريب، واعتمد حوالي مئتي ألف مصطلح باللغات (العربية، والإنجليزية، والفرنسية). وهذا الإنجاز لا يتمشى مع سرعة تدفق الإنجازات العلمية والتقنية المعاصرة. ومن المعروف أن المصطلحات لا بدّ أن تقر من قبل مؤتمرات التعريب، بعد أن تقوم اللجان المختصة بمراجعتها. من خلال مكتب تنسيق التعريب. ونلاحظ أن أول مؤتمر للتعريب عقد عام 1961م بالرباط. هذا يعني أن ما ذكر في الدراسة التي سبقت الإشارة إليها حصيلة خمسين عامًا، وعدد مؤتمراتها أحد عشر مؤتمرًا. أي بمعدل كل خمسة أعوام يعقد المؤتمر لكي يقر مصطلحات جديدة..!! في حين أن قرار إنشائه ينصّ على ثلاث سنوات. وهي في حد ذاتها مدة طويلة في ظل المستجدات، والانفجار المعرفي المعاصر. لذلك فالأمر يحتاج إلى مزيد من الجهد والتكاتف والتنسيق بين مختلف الأجهزة على المستوى المحلي، وعلى مستوى المؤسسات المشتركة المختصة. فحركة انتشار المبتكرات والمعلومات وسرعة انتشار المصطلحات وشيوعها لن تتوقف عند تخوم العربية بل سوف تخترقها دون استئذان.