نبه الله الإنسان على تمتعه بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، وعليه أن يشكر الله عليها كثيراً، ومن هذه النعم أنه هداه للصراط المستقيم، وعلمه ما لم يعلم من البينات، وعلمه الوضوء والطهارة، وآواه ونصره ورزقه، وسخر له البحر ولحمه وحليه وركوبه، ووهبه السمع والبصر والفؤاد، وسخر له الأنعام والليل والنهار والرياح، ومكن له في الأرض، وخلقه وذريته، كما سخر له ماء الشرب العذب، وأموراً كثيرة غيرها، وكلها من نعم الله وحده، وقد لا ينتبه الإنسان إليها ويجعلها أمراً طبيعياً في هذا الكون وهو لا يعلم أنها كلها من فضل الله علينا ورحمته بعباده، وحسن خلقه وتدبيره لأمورهم. والشكر عكس الكفر تماماً فالذي لا يشكر الله هو كافر لأنه لا يعترف بخلق الله وفضله في هذا الوجود.والله يجزي من شكر بالنجاة وينجيه من العذاب أليس الله بالقائل: "كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ33/54إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ34/54نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ" القمر: 33- 35 وقال أيضاً:"مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا" النساء: 147كما يزيد الله النعمة على عبده الشاكر فقال:"وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" إبراهيم: 7وبين الله أن القليل من عباده من يشكر الله بقوله: "يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ" سبأ: 13 والشكر لله أولاً ثم الوالدين بالدرجة الثانية، لأنهما أحق الناس بالشكر، وينساهما الأولاد غالباً بتضحيتهما وتعبهما منذ اللحظة الأولى من خلقهم، فينكرون فضلهما ويعتبرون أنهما مجبوران بهم دون فضل أو شكر، ولكن الله لم ينساهما بالتوصية فقال: "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" لقمان: 14 وقياساً على هذا علم الله الإنسان الشكر لكل من يقدم لنا معروفاً أو علماً أو شيئاً جميلاً في هذه الحياة، ولكنه بالمقابل وصى هذا الإنسان أن يتعفف ولا يطلب الشكر عند الصدقات، فيقدمها لوجه الله حتى يزداد أجرها ويوقي الفقراء من ذل الحاجة، فقال تعالى: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا8/76إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا" الإنسان: 8-9وبالنهاية الله غني عن العالمين ولكنه بين لنا ما يرضيه بالشكر فقال: "إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" الزمر: 7 فالذي يشكر فإنما يشكر لنفسه كما قال تعالى: "قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ" سورة النمل: 40 والشكر والحمد وذكر نعمة الله علينا والرضا بما قسمه لنا وطاعته بما أمرنا هو المقصود بهذا الشكر والله أعلم.