شكراً لك يا رب شكراً لك يا رب على عظيم نعمك ، شكراً لك وحمداً على عطاياك التي هي أفضل العطايا وأهنؤها ! نِعَمُك علينا جليلةٌ لا تُعَدُّ ولا تُحصى ، فاجعلنا من الشاكرين. نَعم.. إنها نِعم أُسبغت علينا ، ونعم عظيمة تكتَنِفنا : فمن أعظمها أن جعلَنا مِن خير أمة أُخرجت للناس ، تكريم خاص ينبغي أن نعتز به ونفتخر بعزته . ثم مَنّ علينا برسولِ هذه الأمة صلى الله عليه وسلم المصطفى الحبيب ، صاحب الرسالة الخالدة ؛ الشمسِ التي لا يلحقها أفولٌ ، فأسرَجَ مصابيحَ الهدى لهذه الأمة بفضل من الله . ثم تفضَّلَ علينا بهذا القرآن العظيم الذي يصعد بالنفس الإنسانية إلى الكمال المنشود ، يسمو بعقل المسلم وخلقه وإيمانه أحسن الحديث وفصَّله تفصيلاً يتخللُ النفس ليوصلها بخالقها آناء الليل وأطراف النهار . ثم نوّع لنا العباداتِ ، فهو عالم بطبع عباده من البشر أنهم يميلون إلى الملل .. ومن هذه العبادات : صيامُ شهر رمضان الذي يحمل من الفضائل والخيرات المتتالية التي تعجز الجبال عن حملها . أجورٌ عظيمة ، وثوابٌ مضاعف ، وما نعجز عن وصفه ووضعه في مكانته التي يستحقها، ثم ليلة القدر التي هي أعظم تلك الثمار وأشهاها فضلاً من الله ونعمة .. فله الحمد حمداً يليق بجلاله . اللهم اجعلنا نستشعر نعمة إدراك هذا الشهر إن أدركناه ، وأتم علينا فيه نعمة العافية ، واجعلنا نسخرها لعبادتك ؛ فإنه لا حول لنا ولا قوة إلا بك. لقد كان سلفُنا الصالح يبتهلون إلى الله أن يبلغهم رمضان قبل ستة أشهر من بلوغه ، ونحن تمضي علينا الأيامُ سريعاً ولا نشعر بقدومه إلا عندما توقظنا وسائلُ الدعاية والإعلام عن العروض الرمضانية كما يسمونها من أنواع الأطعمة وأواني الطبخ. التقوى زكاةُ النفس ، فمتى زكت نفسُ العبد رضِيَه الله ولياً ، وأحبّه وتولاه ، ولا تتحقق التقوى إلا بأداء المحبوبات إلى الله والبعد عن مكارهه، إنها الطريق الموصل إلى رضوان الله وجنته ، التقوى التي كتب الصيام من أجلها؛ إذ يقول عز من قائل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 183]. رمضانُ يا حبيب الصالحين ، ولهفة المشتاقين ، يستبشر المؤمنُ بقدومك رجاء في بره سبحانه ، وارتقاب فضله وإحسانه .. فيه تلين القلوب ، وتصفو النفوس ، وتسمو الهمم ، وتُشغَل الجوارح بالأعمال الصالحة . شهر ضبط النفس ، وملكة التقوى : فيك يا رمضان تتفجر عواطفُ الرحمة ، فيتضاعف الإحسان. فيك تُضاء المساجد بنور القرآن وتنبعث أصواتُ الأئمة تملأ الأرجاء بتلاوات عاطرات ، تخشع لها الأفئدةُ فتسيل الدموع التي طالما جفت من أشغال الدنيا ولهوها فتجلو هموم المهمومين ، وترتاح صدور المغمومين . وحُقّ لعين أن تُريق دُموعَها ... ولا خير في عينٍ بذلك تبخلُ ضيفٌ غالٍ ، وعزيزٌ يطول الشوقُ إليه ، يستحق الحفاوة والتكريم ، كيف لا وهو صفقة تِجارية رِبْحُها تكفيرُ السيئات ، ومغفرة الذنوب ، والجنة والرضوان من الغفور المنان بإذن الله لمن صامه إيماناً واحتساباً فينطبق علينا قوله صلى الله عليه وسلم : (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) . يشرفنا في كل عام مرة واحدة، يتفضل به علينا الرحمن فيرحم به عباده الغافلين ويوقظهم اللطيف بلطفه يتفضل على عباده بفتح أبواب الرحمة والجنان ، وإغلاق أبواب الجحيم. اللهم أعنا على مجاهدة أنفسنا ، واجعلنا فيه من الفائزين ، ومن عتقائك من النار، اللهم اجعلنا من الصفوة الذين امتثلوا لأمرك ، القانتين الصابرين الصادقين ، وارزقنا فيه همة ونشاطا ، وأعذنا من العجز والكسل ، واكفنا باليسير من النوم .