العيون في لغتها أكثر بلاغة وفصاحة من اللسان فهي تستطيع ان تنطلق وتعبر بدرجة من الوضوح والدقة اكثر مما يستطيعه جهاز النطق لدى المرء.. وحينما يقول الطب ان العيون هي ذاكرة الحالة الصحية للفرد فانها كذلك ذاكرة نفسية يمكن من خلالها استشراف العمق والتوغل في الذات فالعيون تترجم المشاعر وتعكس افاق الفكر واحيانا ما تكذب لغة العيون ما ينطق به اللسان، فالبعض قد يقول كلاما لا تؤكده عيناه.. والبعض ينافق ولكن العيون تكشف صاحبها المنافق والبعض يخترق مشاعره ويقتصد في كلماته ولكن عيونه تفتضحه.. فالعيون في مفرداتها وتعبيراتها قد فاقت ما في معاجم اللغة غير ان البعض يصاب في عينيه بأمية لغوية فهي خرساء وصماء لا تعبر بفرح أو حزن ولا تتهلل حبا ولا ترقرق بالدمع ولا تعرف طعما للسعادة ولا بريقا للبهجة.. وبعض أصحاب الفراسة يجدون التوغل في ذات المرء من نظرات عينيه خاصة هؤلاء الذين تترجم عيونهم خبراتهم الصادقة.. فالبعض تلازم عينيه الاحاسيس بلرعب لان خبراته في الحياة تكدست فيها مواقف الخوف والوجل والارتعاد.. والبعض نقرأ في عينيه خطابا حزينا تقطر سطوره عبرات ودموع ذلك لان حياته قد داهمه تلال الحزن والندم.. والبعض يحاول ان يسدل على عينيه ستاراً يخبيد وراءها نواياه.. وتربصاته.. ولكنه يتحول الى كتاب مفتوح لم يستطع ان يرصد ايماءاته وتلميحاته.. والبعض ترقص في عينيه علامات الفرح والسعادة والسكينة لانه قد عاش سعيدا ولم يعكر صفو سعادته كبوة او عشرة او حزن.. وحتى ان نكر انسان ما ان يزيف موقفه فان عينيه تفضحانه وتبرزان زيفه.. وان تحدث انسان اخر بصدق شديد فان نظرات عينيه توقع بحروف من نور على مصداقية كلماته. ولا علاقة بين لغة العيون وألوان حدقاتها.. فاللغة لا تتلون بألوان العين ولكن للغة العيون مفرداتها الخاصة التي تنبع من داخل الانسان.. وحتى الذين يضعون على أعينهم عدسات سميكة لقصر او لطول النظر فان عيونهم ايضا تتحدث ذات اللغة الخاصة جدا التي تخترق اكثر العدسات سمكا... وليس في هذا الكلام جديدا لان التراث الشعري العربي قد وفر لنا فيضا من الحديث عن العيون سواء بجمالها وتعبيراتها او الوانها، كما ان الغناء العربي بكل تراثه غني كثيرا للعيون لان الحب لا يجد نافذة مشرعة له يطل منها الا من خلال عيون صاحبه.. ولان الحب تتحول مفرداته بين المحبين الى لغة تتبادلها العيون وتعبر عنها الحدقات، ولذلك يقال: وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيناي في لغة الهوى عيناك. كذلك لمح الناس حبيبة نزار في حدقتي عينيه عندما قال: أنا عنك ما كلمتهم لكنهم لمحرك تغتسلين في أحداقي