إن قضية الأمن الجماعي من القضايا المحورية فيما يتعلق بدراسة العلاقات الدولية منذ نشأة ظاهرة الدولة القومية فى اعقاب مؤتمر صلح وستفاليا عام 1648 م حيث اعتمدت كل دولة على قدراتها الذاتية فى مواجهة أي تهديدات تواجهها ثم تطور الامر بعد ذلك لتعتمد الدول على فكرة الاحلاف من أجل تحقيق هذا الهدف الأمني فظهرت فكرة توازن القوى خاصة فى مرحلة الحرب الباردة .إلا أن تجربة سعي الدول لتحقيق التوازن فى القوة مع خصومها الفعليين أو المحتملين يمكن أن يشعل سباق التسلح إلى الدرجة التى قد تؤدي فى نهاية الأمر إلى الإخلال بالأمن . مفهوم الأمن الجماعي: يعنى مفهوم الأمن الجماعي أن أمن "الجزء" يتعين أن يكون مرتبطاً بأمن الكل ومن ثم فأن أي تهديد يقع على "الجزء" فأن مواجهة هذا التهديد تقع على عاتق الكل وليس على عاتق الجزء المهدد فقط. ويلاحظ أن مفهوم الأمن الجماعي تبلور من خلال ثلاث تجارب تاريخية مختلفة : أولاها فى أعقاب مؤتمر فينا عام 1815 م عندما برز إلى الوجود الحلف المقدس والذى تطور فيما بعد إلى الوفاق الأوروبي وهدف إلى ارساء آلية معينة لتحقيق السلم والأمن على صعيد القارة الأوروبية. ثانيا : فى أعقاب الحرب العالمية الأولى عندما تم تأسيس عصبة الأممالمتحدة وهدفت إلى ارساء آلية جديدة لتحقيق السلم والأمن على النطاق العالمي . ثالثا : فى أعقاب الحرب العالمية الثانية عندما تم تأسيس الأممالمتحدة التي بلورت نظاماً جديداً للأمن الجماعي ليحل محل النظام الذى انهار مع انهيار عصبة الأمم. وعلى مستوى الممارسات فان فكرة الأمن الجماعي تتناقض مع فكرة الهيمنة فى النظام الدولي فالأمن الجماعي يقوم على فكرة أن تكون الدول ضامنة لة وأن تكون الدول متساوية وهو مالا يحدث على الواقع الفعلي. وإذا نظرنا فى واقع الأمر فسوف نكتشف أن نظام الأمن الجماعي كما جسدته هذه التجارب الثلاث لم يحقق حتى الآن انجازاً يذكر لضمان السلم والأمن العام . فقد انهار النموذج الأول بعد مؤتمر فينا تحت ضغط الصراعات القومية فى أوروبا وانهار نموذج عصبة الأمم تحت ضغط عوامل كثيرة من بينها وأهمها التنافس الدولي وخاصة الأوروبي على المستعمرات أما نموذج الأممالمتحدة فقد تعثر تحت ضغط الصراع على مناطق النفوذ بين القطبين العظيمين. شروط تحقيق الأمن الجماعي :هناك شروط يجب توافرها ويتفق عليها من جانب الوحدات المشاركة لتحقيق مفهوم الأمن الجماعى وهى:أن تكون هناك قواعد عامة واضحة لهذا التنظيم (تنظيم الأمن الجماعي) متفق عليها من كافة الأطراف وأن يتوافر جهاز أو هيكل له سلطة التقرير بحدوث خلل فى هذه القواعد أم لا وأن تكون هناك أدوات ووسائل توضع تحت يد هذا الجهاز وتساهم فى التطبيق وأن يكون هناك نظام رقابي ليراقب مدى تطبيق هذه القواعد. إلا أنه لو نظرنا على مستوى التطبيق دولياً سنجد أن كان هناك خللاً فى تطبيق القواعد للمحافظة على سيادة الدول وعدم التدخل فى شؤونها وهو ما أدى أن يكون مفهوم الأمن الجماعي الموجود على أرض الواقع ليس هو المفهوم الذى كان يراد تطبيقه . مستويات الأمن الجماعي: على الصعيد العالمى(ميثاق الأممالمتحدة): يحتوى الميثاق على عدد من المبادىء العامة والقواعد الأساسية التى تحدد ليس فقط مايجب أن يكون عليه سلوك الدول تجاه بعضها البعض أو تجاه الأممالمتحدة نفسها باعتبارها شخص مستقل من اشخاص القانون الدولي العام كذلك حدد صلاحيات الأممالمتحدة نفسها وحدد سلطاتها تجاه الدول الأعضاء فيما يلي المبادىء التى اعتمدها ميثاق الأممالمتحدة والتي تتمثل فى المساواة فى السيادة بين الدول. ويشكل مبدأ المساواة فى السيادة أحد الركائز الأساسية التى يقوم عليها التنظيم الدولي بصفة عامة والأممالمتحدة بصفة خاصة .واعتبرت الأممالمتحدة أن السيادة خاصة من خصائص الدولة وارتبط المفهومان ببعضهما . كذلك نرى أن ميثاق الأممالمتحدة شجع التنظيمات الاقليمية على اتخاذ إجراءات الأمن الجماعي والتدخل لحل الصراع وأن تكون أهدافها ومبادئها ومقاصدها متناسقة مع مبادىء الأممالمتحدة وميثاقها .ونجد أن ميثاق الأممالمتحدة قد سمح للمنظمات الإقليمية على التدخل فى حل النزاعات دونما إخلال بمبادئها فأي تنظيم إقليمي يستخدم إجراءات قمعية عليه الرجوع أولاً إلى الأممالمتحدة ولمجلس الأمن. عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الاعضاء : نص ميثاق الأممالمتحدة على أن ليس فى هذا الميثاق مايعطي الحق للأمم المتحدة أن تتدخل فى الشئون الداخلية لدولة ما وليس فى الميثاق مايقتضى الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل إلا أنه رغم ذلك فان هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة فى الميثاق. ولكن يتضح من الواقع العملي ومن ممارسات الأممالمتحدة على أن مجلس الأمن قد اتخذ قرارت سمحت للأمم المتحدة بالتدخل بأشكال وأساليب عديدة من بينها تدابير قمعية فى مسائل تعتبر تقليدية ومن صميم المسائل الداخلية للدول. الإطار المؤسسي لنظام الأمن الجماعى فى الأممالمتحدة: يتضمن الإطار المؤسسي لنظام الأمن الجماعي كما حدده ميثاق الأممالمتحدة ثلاثة أجهزة يقوم كل منها بوظائف وأدوار مختلفة تتمثل في :الجمعية العامة وهى الجهاز الوحيد الذى تمثل فيه جميع الدول الأعضاء في الأممالمتحدة وعلى قدم المساواة وفقا لقاعدة أن لكل دولة صوت واحد واختصاصها اختصاص عام بمعنى أن صلاحيتها تشمل حق مناقشة الأمور التى تدخل فى اختصاص الأممالمتحدة كمنظمة دولية وبناء على ذلك يدخل ضمن صلاحينتها بعض الأمور المتعلقة بحفظ السلام والأمن الدولي إلا أن سلطتها تتلخص فى مجرد اصدار التوصيات ثم محكمة العدل الدولية ورغم ماتحظى به من استقلالية كجهاز قضائي إلا ان ميثاق الأممالمتحدة اعتبرها أحد الفروع الرئيسية للأمم المتحدة حيث منحها صلاحية الفصل فى النزاعات ذات الصيغة القانونية التى تنشب بين الدول الأعضاء فى نظامها الأساسي وكذلك الدول غير الأعضاء وفقاً لشروط معينة ويعتبر حكمها واجب النفاذ وغير قابل للطعن أو الاستئناف أما مجلس الأمن يعتبر مركز الجهاز العصبى لنظام الأمن الجماعي كله والقابض على أدوات تشغيله حيث احتل هذا الموقع بحكم الاختصاصات الواسعة التى منحها له الميثاق أو بحكم السلطات الفعلية والواسعة التى اسندت إليه أيضاً.ينفرد مجلس الأمن دون بقية الأجهزة الأخرى بحق التدخل لتسوية المنازعات التى تنشب بين الدول الاعضاء سواء طلبت الدول المعنية ذلك أو إذا وجد أن هناك موقف أو نزاع قد يؤدي إلى تعريض السلم والأمن الدولى للخطر. ولمجلس الأمن وحدة دون غيره أيضاً تقرير ما إذا كان هناك تهديد خطير للسلم أو إخلال وهو الذى يحدد الطرف المعتدي وتمتد صلاحياته للدرجة التى تمكنه أن يصبح هو المدير الفعلي للأزمات الدولية وبامكانه اقتراح أي الأساليب لتسوية المنازعات .