دفعت شعوب الربيع العربي الثمن باهظاً نتيجة صبرها على أنظمة قمعية تفننت في إذلالها وحرمانها من الحرية والطعام وفرص العمل والمشاركة السياسية في مفاصل الحكومات هناك لسنوات طويلة، وكان ذلك على حساب التنمية, فتلك الأنظمة التي سقطت لم تكتف بسرقة مال شعوبها، بل وصل الأمر لسرقة مستقبلها أيضاً , ورغم أن بلدان كمصر وتونس لم تحتاج لخلع طواغيتها سوى لبضعة أيام إلا أنها اضطرت لدفع أرواح أبنائها كقرابين لمستقبل مشرق لا تغيب شمسه خالٍ من الفساد والمحسوبية وهدر المال العام , لكن من يشاهد حال بلدان الربيع العربي هذه الأيام سيصاب بالتأكيد بخيبة أمل يرافقها خوف شديد له محله من الإعراب ! فدولة كمصر ورغم مرور أكثر من عامين على ثورة 25 يناير ما زالت تعاني أمنياً و اقتصادياً حتى رياضياً! وليست تونس الخضراء ببعيدة وهي التي تشهد اضطرابات مستمرة وصلت ذروتها باغتيال المعارض شكري بلعيد قبل أسابيع, بالإضافة لليبيا واليمن واللتين لم تصلا بعد لمنصة الأمان التي تنطلقا منها صوب إرساء قواعد التنمية السياسية و الاقتصادية, الربيع العربي حضر إلينا بحكومات إسلامية جديدة كحزبي الإخوان المسلمين في مصر والنهضة في تونس وكان بعض من يمثلها الآن من شخوص معتقلاً في سجون حسني مبارك وزين العابدين بالإضافة إلى أن بعضاً منهم أجبر على الهجرة والعيش بعيداً عن وطنه في المنفى, هي حكومات تفتقد للخبرة السياسية الكافية التي تجعل منها مؤهلة لقيادة بلدانها في مرحلة ما بعد الأنظمة السابقة ولنا في ما يحدث الآن مثال واضح, نعم هي مرحلة صعبة أن تعيد أولاً بلداً لشرعيته الحكومية بعد أن أمضى أشهراً بلا رئيس ولا حكومة لكن ما تقوم به تلك الحكومات الجديدة الآن يجعلنا نظن أن مصلحة البلد تأتي في ترتيب متأخر ضمن أولويات مسؤولي تلك الحكومات والتي بحث بعض منهم عن الكراسي فقط وسارع الباقي منها إلى محاولة تطبيق فكر الحزب الحاكم عنوة على جميع الطيف الشعبي ! فلا بوادر لإخراج تلك البلدان من الفرن الساخن أمنياً واقتصادياً حتى ولو للسنوات القليلة القادمة, حتى المعارضة هناك كان بعض منها امتداداً للمعارضة العربية الأزلية القائمة على الصدام أولاً وأخيراً وكل ذلك يحدث بعيداً عن " مصلحة الوطن "!. إن ما يحدث الأن ينبئ بثورة شعبية ثانية وعودة طويلة هذه المرة للشارع والميادين المعروفة في عواصم كالقاهرة وتونس ليس ليسترد الشعب ثورته المنهوبة، بل ليخلق ثورة أخيرة ليس بعدها ثورة, وإن كان أكثر ما أخافه على تلك الشعوب هو أن تحتاج لمدة طويلة حتى تصل إلى بر الأمان تشابه المدة التي صبرت فيها على طواغيتها في الأعوام الماضية. twitter : aalbaly [email protected]