تخيل نفسك و تخيلي نفسك وأنت في وسط اجتماع عمل، أخطأت في طباعة كلمة أو في توزيع الأوراق المطلوبة، أو حضرت متأخر اضطرارا، ففوجئت وأنت تدخل و تتلعثم باعتذارك عن خطئك، بصوت مديرك يصرخ فيك ويسخر منك ويزدريك وينعتك بالغبي والبليد والذي لا يفهم ولا ينفع فيه التدريب، ماهو الشعور الذي ستشعر به ؟!!.أرأيت شعورك هذا والذي قد يكون شدة الحرج لدرجة تمني الموت أو شدة الاستياء والشعور بالقهر، والغضب الذي قد يدفعك إما لحمل البغض للأبد إلى هذا المدير أو تمنى وقوع مصيبة عليه هذا بالرغم من أنه لا يستطيع أن يؤذيك بالفصل أو بالخصم من راتبك، فهناك قانون يحميك ويمكنك تقديم تظلم لتحصل على حقوقك كاملة، وإن لم تنس إساءته لك يوما. لكنك أنت ذاتك أيها المظلوم المضطهد قد تكون أشد منه ظلما حين تتعامل مع خادمك المنزلي بطريقة أسوأ مما عوملت به من قبل مديرك، فتحتقره وترميه بشتى النعوت وترى أن هذا من حقك، فهو غبي بليد لأنه لم يتعلم لغتك ومفاهيمك في مدة قياسية - مع أن بعضهم يستحق دخول موسوعة جينس لقدرته السريعة على فهم اللغة المحلية - فهو في نظرك من شعب لا يصلح معه أن يعامل بالرفق والسماحة، بل لابد معهم من الشدة "والعين الحمرا" ويا لله يسمعون الكلام. وأنتِ فوق هذا تخصمين من راتبها لأنها كسرت صحنا بالخطأ، نفس الخطأ الذي لو وقعت فيه لتجاوزت الأمر وكأن شيئا لم يحدث، بل قد ترمي اللوم على الخدامة لأنها لم تتنبأ بمسار حركتك فوضعت الصحن في طريقك لتكسريه فتصرخي في وجهها وتعاقبيها على خطئك أنت، ولن يحاسبك أحد هنا على ظلمك بل قد تعتبرين ربة بيت ممتازة تجيد التعامل مع الأمور وتعرف كيف تتصرف مع مثل "هؤلاء" البشر، ولو سامحتها على خطئها البشري وقررت أن لا تخصمي من راتبها فأنت السيدة الكريمة الحانية طيبة القلب، وكأنه من حقك أصلا أن تخصمي من رتبها لأجل هذا !!! إننا هنا لا نتحدث عمن يتطاول على الخدم بالضرب والعنف الجسدي وحرمانهم من الراتب بالكامل فهؤلاء لا يصلح معهم مثل هذا الخطاب الإنساني، فهم لن يستطيعوا فهمه، كما أنهم يستحقون بجدارة كل تلك الممارسات الإجرامية التي ارتبطت بخدم المنازل!! إنما حديثنا هنا عمن يتعامل مع خدم المنازل والعمال في الدرجات الدنيا من السلم الوظيفي وكأن مستوى وظيفتهم يمكنه أن يحدد مدى بشريتهم، إذ للأسف لازلنا نجد من الناس ومن كافة الفئات من يتعامل مع الناس بنظرة تراتيبية، يحددها مستواهم المعيشي ووظائفهم وبالتالي تتحدد حقوقهم وواجباتهم !!وتنشأ هذه الممارسات المضطهدة للآخر الضعيف، و المسكوت عنها والمتعامل معها كمسلمة لا تفسر ولا تبرر، وتقوى بقدر مستوى تخلف المجتمع الناتج أصلا عن حجم الاضطهاد المباشر والخفي غير المباشر الذي يقع عليه " ففي الحالات الاضطهادية تسقط مشاعر الذنب والتبخيس الذاتي" الناتج عن القصور والتخلف، على الآخر لا المتسلط، بل الآخر المقهور أو الأكثر قهرا "وتوجه إليه العدوانية المتراكمة المكبوتة متخذة طابع الحقد المتشفي والهدف من ذلك هو تحطيم الصورة غير المقبولة عن الذات وإعطاء شعور ولو وهمي بالإفلات من ذلة القهر" وبالتالي وكما أنه من آثار الاضطهاد والتحكم الذي تمارسه علينا أمريكا هو خروج ممارسات إرهابية لا تفرق بين مقاتل مجرم ومدني غير مقاتل، فكذلك تخرج من بين هؤلاء الخدم والعمال البسطاء، من يقوم بتلك الممارسات الإجرامية التي التصقت بهم، كما التصقت بنا صفة الإرهابي. إنهم في النهاية ليسوا سوى أناس مثلنا اضطرتهم الحاجة للخروج من أوطانهم وخدمة الآخرين ليسدوا رمق عائلاتهم ويحسنوا معيشتهم وخياراتهم تماما كما نفعل نحن. ربما يفسر البعض سلوكنا اتجاههم بقابليتهم هم للاستعباد ونفوسهم التي اعتادت التبعية للآخر الأقوى والأغنى، ولكنها لا تبرر سلوكنا تجاههم بأي شكل من الأشكال، إلا إن كانت تبرر السلوك الاستبدادي التحكمى من قبل الدول الأقوى والأغنى والأكثر علما تجاه أوطاننا وشعوبنا. إن من المفارقات المضحكة المبكية هي أنك لا تكاد تمر في أي وقت من أوقات السنة على مبنى حقوق الإنسان هنا في الدوحة إلا وتجد طوابير طويلة من العمال مصطفة بشكل عشوائي بجانب جدار المبنى، في صورة رمزية تعبر عن تصورنا الحقيقي والمتجذر لحقوق الإنسان، فهي ليست الحقوق المتفق والمنصوص عليها دوليا والتي يحثنا عليها ديننا الحنيف السمح،حيث إن الناس سواسية بكافة أعراقهم وأجناسهم وفئاتهم ولهم نفس الحقوق، بل تلك الحقوق غير المنصوص عليها ولكن المتفق عليها ضمنيا والتي تضع البشر في سلم تراتيبي بحسب ما يملكون من قوة ونفوذ ومادة،