اهتز المجتمع السعودي بكامله وقت سماعه بمقتل الطفلة تالا الشهري ذات الأربعة أعوام، والذي تم بطريقة بشعة من قبل خادمة بقيت في منزل أهل الضحية قرابة سبع سنوات، حتى أصبحت لا تختلف عن أفراد الأسرة نفسها.هذه الفاجعة سلطت الأضواء من جديد على جرائم الخادمات والسائقين والذين يأتون إلى بلادنا وقد تم اختيارهم عشوائياً دون علمنا بتاريخهم الحياتي، هل هم من مدمني ومروجي المخدرات؟ وهل كانوا يترددون على السجون ويملكون أساليب في النصب والاحتيال؟ أم هم مصابون بأمراض نفسية يصعب كشفها عند إجراء الكشف الطبي وقت دخولهم المملكة، ولذلك من الطبيعي أن تحدث مشكلات وجرائم متنوعة، تشمل الاعتداء اللفظي والجسدي، والتحرش الجنسي، وصولاً للقتل كما حدث في مدينة ينبع مع الضحية البريئة الطفلة تالا. هؤلاء الناس يعيشون بيننا، ويحتكون بحياتنا وأبنائنا، ويدركون كل خصوصياتنا وأسرار بيوتنا، ونحن بحاجة ماسة لحماية الأطفال من جرائم بعضهم، لذا نرجو ألا تمر هذه الجريمة الشنعاء مرور الكرام دون أن نستفيد من دروسها ونعتبر من وقائعها، وحتى نتفادى مثل هذه الجرائم لا بد من تنفيذ عدة مطالب ضرورية أهمها إنشاء حضانة في كل القطاعات الحكومية والأهلية التي يوجد فيها قسم نسائي، وهو الأمر الذي طلب منذ زمن بعيد ولم نرى له وقعاً، ومما لا شك فيه فإن توفير حضانات الأطفال سوف يسهم في توفير الرعاية اللازمة لهم، ويحعلهم قريبين من أمهاتهم بدلاً من تركهم في المنزل في عهدة الخادمات، وحينها تستطيع الأم الاطمئنان على أطفالها بصورة متكررة، مما يشعرها بالراحة النفسية ويؤثر ذلك في زيادة إنتاجيتها، وهذا أيضاً يقود إلى تنظيم حياة الأسرة ورعايتها والاهتمام بمصالح الأم العاملة بما لا يضر أطفالها ولا يضرها ولا يضر عملها.وعلى وزارة العمل السرعة في مراجعة وإعادة النظر في المعايير المصاحبة لاستيراد العمالة المنزلية وسن قوانين صارمة لاستقدام عمالة أسوياء أصحاء مع ضرورة عمل الكشف النفسي عليهم قبل قدومهم وتصديق ذلك من سفارات المملكة في بلدانهم بدلاَ من جلب من "هب ودب" وترك الحبل على الغارب لسماسرة العمالة وتهريبها، بالإضافة إلى تقديم سجل أمني خال من السوابق يثبت سلامة موقف كل واحد منهم أمنياً في بلده. ولا بد أن يقول الإعلام المرئي كلمته ويكون له دور قوي في نشر فاجعة الأسرة السعودية المكلومة من خلال توثيق مقتل الطفلة تالا درامياً وتقديمه كعمل واقعي تلفزيوني أو سينيمائي مع تبيان الحب والتقدير والاحترام التي كانت تتعامل به الأسرة السعودية المكلومة مع القاتلة الخادمة الإندونيسية كما أكدته التحقيقات، ولعلنا هنا نستذكر ما قامت به الوسائل الإعلامية لبعض الدول التي نستقدم منها العمالة المنزلية عندما بثت أخباراً في السابق حول تعرض بعض الخادمات في الخليج إلى تعذيب واعتداء، واتهامنا بأننا سبب تحويل ملائكتهم لمجرمين بسبب سوء المعاملة من قبل البعض من أبناء الخليج. ولا يزال إعلام تلك الدول يطالب بضرورة إعادة النظر في معاملة العمالة المنزلية في الخليج، وتحديداً في السعودية، بينما الواقع غير ذلك تماماً، ولا يجوز تعميم الأحداث الفردية، وإذا ما عدنا إلى أرشيف صحفنا المحلية سنجد صوراً متعددة لجرائم كثيرة ارتكبها سائقون وخادمات، وقد تعجز الألسن عن وصف بشاعة بعضها. نسأل الله تعالى أن يسكن تالا فسيح جناته، وان يجعلها شفيعاً لوالديها يوم القيامة. كاتب وباحث أكاديمي