خطفت مدينة فلاديفستوك على المحيط الهادئ في أقصى شرق روسيا اهتمام العالم على مدى الأيام الأخيرة. وتحولت المدينة المغلقة على الأجانب سابقا إلى مركز الحدث مع استضافة روسيا قمة منتدى التعاون الاقتصادي لبلدان آسيا والمحيط الهادئ. وبرزت امكانات المدينة في أن تتحول إلى مركز اقتصادي جديد لمنطقة شرق روسيا يسهم في تطوير المنطقة ذات الامكانات الطبيعية الهائلة لوقف هجرة السكان منها، وتحقيق تنمية في القسم الآسيوي من الاتحاد الروسي والذي تزيد مساحته عن ثلثي مساحة روسيا، ولا يقطنه أكثر من ربع عدد السكان. وضخت الحكومة الروسية على مدى السنوات الماضية عشرين مليار دولار لتحسين البنية التحتية في شرق البلاد الذي يبعد آلاف الكيلومترات عن موسكو، منها مليار دولار لتحسين الطرق في فلاديفستوك وبناء جسر يربطها مع جزيرة روسكي حيث يجتمع قادة المنتدى يومي 7 و8 سبتمبر/أيلول 2012. وتؤهل موسكو المنطقة للعب دور الجسر بين منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا، وتخطط لدعم وتحسين البنية التحتية من طرق وسكك حديدية، وموانئ بحرية من أجل جذب المستثمرين الأجانب لتطوير اقتصاد المنطقة. ولا عجب في أن تولي روسيا أهمية كبيرة لقمة منتدى التعاون الاقتصادي لبلدان آسيا والمحيط الهادئ، فالمنتدى يعد منظمة مهمة في منطقة شاسعة من العالم تضم 21 دولة ينتقل إليها مركز الثقل الاقتصادي والسياسي والاهتمام العالمي مع وجود الصين، واليابان ودول من جنوب شرق آسيا، إضافة إلى الولاياتالمتحدة والاتحاد الروسي.ويكفي للدلالة على أهمية المنتدى، الذي تأسس في بداية تسعينات القرن الماضي بهدف تعزيز التعاون الإقليمي في مجال التجارة، وزيادة النمو الاقتصادي بين أعضائه،الإشارة إلى أن عدد سكان البلدان الأعضاء فيه يشكلون 40 في المائة من سكان الأرض، ويبلغ حجم اقتصادات بلدانه 54 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي، ويستأثرون بنحو 44 في المائة من حجم التبادل التجاري في العالم. وتضخ بلدانها مجتمعة نحو 45 من الاستثمارات المباشرة في العالم. وفي العام 1994 وضع قادة المنتدى هدفا طموحا لتحرير التجارة والاستثمارات البينية بحلول العام 2020. ويبدي الكرملين اهتماما كبيرا بالمشاركة في مشروعات تكاملية مع منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ويطمح إلى أن تشكل روسيا جسرا بريا بين آسيا وأوروبا خصوصا أن ثلثي مساحة البلاد يتبع آسيا ويضم ربع عدد السكان، فيما يعيش ثلاثة أرباع المواطنين الروس في القارة الأوروبية. وتسعى روسيا إلى استغلال موقعها الجغرافي للعب دور حلقة وصل بين الاتحاد الأوروأطلسي الذي شكل الساحة الرئيسة في القرن العشرين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ التي باتت مركز جذب العالم في القرن الحادي والعشرين. وتطمح روسيا إلى استغلال الجغرافيا التي وضعتها في مركز منطقتين شاسعتين ومهمتين عالمياً،ولعب دور محوري في التكامل العالمي الشامل المنطلق من تغليب المصالح الاقتصادية على الاختلافات الإيديولوجية. وفي ظل النمو السريع في الاقتصادات الآسيوية المطلة على المحيط الهادئ فإن روسيا بدأت تبحث عن تعاون أوثق مع هذه البلدان، وهو ما أكد عليه الرئيس فلاديمير بوتين الذي أبدى رغبة في رفع قيمة التبادل التجاري مع الصين إلى 100 مليار دولار في العام القادم أي نصف حجم التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي الذي يبلغ حجم التبادل التجاري معه حاليا 200 مليار دولار ويستأثر بنصف حجم تجارة روسيا الخارجية حالياً. وتسعى روسيا إلى أن يكون الاتحاد الأوراسي الذي يجمعها مع بيلاروسيا وكازاخستان اللبنة الأولى في بناء السوق الأوروبية الآسيوية المشتركة الضخمة. وتأتي قمة قادة المنتدى بعد انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية، وتسعى موسكو إلى تحقيق أكبر الفوائد من عضوية المنظمة. وادراكا منها بأن الفائدة لا تتحقق إلا بتنويع اقتصادها وتخفيف اعتماده على تصدير موارد الطاقة فقد طرح الرئيس فلاديمير بوتين جملة من تصوراته لأهم أولويات المرحلة المقبلة على الصعيد الاقتصادي داخليا وفي اطار عمل المنتدى وتتركز النقاط الرئيسة في خطاب بوتين حول المحافظة على انفتاح الاسواق العالمية والاتفاق على خفض مستوى اجراءات الحماية. ودعا إلى التكامل الاقليمي الذي يمكن أن يلعب دورا رائدا في ضمان حرية الأسواق في منطقة آسيا – المحيط الهادئ، ويسهم في دفع عجلة النمو وينعكس ايجابا على نظام التجارة والاستثمارات.