إن الوقت هو أساس ديمومة الحياة ووسيلة بنائها ومن أهم عناصر الإنتاج.. لأنه الأداة الفعّالة التي تستغلّ في عبادة الله تعالى وفي حركة البناء والتعمير في شتّى مجالات الحياة.. وهو نعمة امتنّ بها الله تعالى على عبادة ليُحسنوا استخدامها في تحقيق الخلافة وعمارة الكون.. لذا حظي الوقت بنصيب وافر من العناية في الإسلام.. إذ أعطى الوقت قيمة كبرى وأهميّة عظمى باعتباره من أعظم نعم الله تعالى التي أنعم بها على الإنسان.. إلاّ أن هذه النعمة مرهونة بحسن استثمارها وبقيمة العمل الذي يشغل به الإنسان وقته.. وتأكيدًا على أهمية الوقت وقيمته قوله عليه الصلاة والسلام: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وغناك قبل فقرك وحياتك قبل مماتك" وقوله: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ".. وحذّر من تضييع الوقت وإهداره كما في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: "إني لأكره أن أرى أحدكم فارغًا سبهللاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة" وقول التابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله تعالى: "أدركت أقوامًا كان أحدهم أشحّ على وقته من درهمه". وقد جعل الله تعالى الوقت مقدّرًا لكل شيء.. قال تعالى: "والله يُقدّر الليل والنهار" وقد رأينا كيف أن كثيرًا من التكاليف قُدّرت به ووفق مقتضياته نظّمت حياة المسلم في العمل والنوم والاستيقاظ.. بل حتى في مختلف الأوقات من الأدعية الصباحية والمسائية وعند الملبس والمأكل والمشرب.. وكل شأن في الحياة له نظامه حسب الجدول الزمني المرسوم لكل حال.. وبهذه الجداول الزمنية يتميّز النظام الإسلامي في تحديد سلوكيّات المسلم وتنظيمه ففي كل وقت منها خاصيّة تُميّزها عن غيرها وهو بذلك يختلف عن الأنظمة الماديّة في الإدارة الحديثة النابعة من الحضارة الماديّة الغربيّة التي لا يخرج نظام الوقت فيها على حدود أن "الوقت مال" بينما يُعدّ الوقت في حسابات المسلم أغلى من المال.. وأنفس من كل شيء.. لأنه العمر كله.. وما فات منه لن يعود. وبالعودة إلى الناحية العقدية تظهر حقيقة أن معظم العبادات مرتبطة بمواعيد زمنيّة محدّدة وذلك حتى ينطبع سلوك المسلم بالقيمة الأساسية في ضبط الوقت في مختلف الأنشطة في حياته. ومن هنا كانت التكاليف موقوتة تجري وفق قانون معيّن يُحدّده ذلك الزمن الذي لا يتحقق التكليف إلا بالالتزام به كما في الصلاة والصيام والزكاة والحج والأضحية والطلاق والعدّة والنفقة والحيض والنفاس وغير ذلك من الأحكام الشرعية التي فرض الله تعالى التقيّد بها بالحساب الزمني كشرط لصحة العبادة والعمل. ونظراً إلى أهميّة الوقت فإن هناك مسؤوليّة أخلاقيّة وجزائيّة في الدنيا والآخرة تنتظر الإنسان هل حفظ تلك النعمة أم ضيّع..؟ لأن الزمن هو أثمن ما يملك الإنسان.. فالمسلم تحكمه مسؤولية استثمار وقته في العمل الصالح والعمل النافع.. قال تعالى في محكم آياته: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً" فقد عبّر القرآن في هذه الآية بأحسن الأعمال لا بكثرتها ليُبرز قيمة الأعمال ورصيدها من خلال فاعليتها وما تتركه من آثار طيّبة خلاّقة في الحياة. آيات قرآنية كثيرة دالّة على أهميّة الوقت وقيمته وتُبيّن قدرة الله تعالى وفضله على عباده في خلق الزمن على النحو الذي تتعدّد فيه أجزاؤه حسب حركة الكون والكواكب والأخلاق لتكون حكمة الله تعالى ماضية وقدرته نافذة. والمتأمّل في الآيات الكريمة يجد أن فيها تأكيداً على القدرة الإلهية في إيجاد الوقت وصنع الحياة ووحدات عناصر الزمن.. من تلك الآيات "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب"، وقوله تعالى: "وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكوراً". الوقت نعمة.. لا بدّ من اغتنام هذه النعمة في استثمار الأعمال النافعة والصالحة وهلك من ضيّعها.. يقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه.. نقص فيه أجلي.. ولم يزد فيه عملي". ويقول ابن الجوزي: "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته فلا يُضيّع منه لحظة في غير قربة". وقال بعض أهل العلم: "من أمضى يومه في غير حقٍّ قضاه.. أو فرضٍ أدّاه.. أو حمد حصّله.. أو خير أسّسه.. أو علم اقتبسه.. فقد عقّ يومه وظلم نفسه".