الحيطة من الثغرات

قد تكون نقاط القوة، كقوة الجسم وسعة الحيلة، موجودة في أي إنسان لكن الإنسان بطبعه مخلوق ناقص، ولذلك فإن الثغرة أو نقطة الضعف تكون موجودة في كل إنسان وقد تكون ظاهرة أو مختبئة بل إن الثغرة تُوجد في كل ما ينتجه البشر، فلا يخلو أي عمل فني إبداعي أو أي عمل مادي صناعي من الثغرة ويمكن القول إن النقد الأدبي والفني والصناعي لا يقوم إلا على أكتاف الثغرات، ورغم أن وجود الثغرة هو أمر طبيعي لأن الناقص لا ينتج إلا ناقصاً فإن تحقيق الفوز أو تلقي الهزائم في أي مجال لا يمرّ إلا عبر استغلال الثغرات! إن أي إنسان عادي قد يكون خبيراً في اكتشاف الثغرات ويبقى ردّ الفعل بعد اكتشاف الثغرة هو الجدير بالتأمل، فالثغرة قد يستغلها شخص ما لتحقيق الفوز بطريقة مشروعة وقد يستغلها شخص آخر لارتكاب الجرائم ضدّ الأشخاص وضدّ الأموال وضد الدول.
القائد العسكري يبحث عن الثغرة في دفاعات العدو عند نشوب المعركة، وعندما يجدها ويستغلها بشكل جيد يحقق النصر على جيش العدو، مدرب كرة القدم يبحث عن الثغرة في دفاعات الفريق الخصم وحينما يكتشفها يكثف الهجوم في موضع الثغرة ويحقق الفوز. محامي الدفاع يبحث دائماً عن الثغرة في قضية الاتهام، فإذا اكتشف ثغرة إجرائية واحدة مثل تفتيش منزل المتهم وضبط الممنوعات لكن دون الحصول على أمر تفتيش ودون إجراء التفتيش في حضور شاهدين محايدين فإنه يُجهّز على قضية الاتهام وينسفها من أساسها لأن عدم الحصول على أمر تفتيش وعدم إجراء التفتيش في حضور الشاهدين ينطوي على شبهة دس الممنوعات على المتهم بسبب وجود خلاف شخصي بينه وبين أحد القائمين بالتفتيش.
المجرمون يبحثون عن الثغرات القانونية ويحاولون استغلالها بقصد الإفلات من قبضة العدالة، المهرّبون يبحثون عن الثغرات في قانون الجمارك فإذا كان القانون يمنع تهريب السبائك الذهبية إلى أي بلد ويبيح للنساء دخول البلاد بزينة ذهبية فإنهم يستعينون بعصابات نسائية لإدخال الذهب إلى البلاد عبر ثغرة إباحة إدخال الزينة الذهبية النسائية والتي لا يُمكن سدها تماما، الهاكرز يبحثون عن الثغرات الإلكترونية وحينما يجدونها يخترقون أحصن المواقع الإلكترونية ولا تتمكّن كل الدفاعات الأمنية من صدهم لأن الثغرة موجودة دائماً في أي نظام! الغش التجاري يقوم على أكتاف الثغرات، فجهل بعض المستهلكين بحقوقهم القانونية قد يكون ثغرة تمكن بعض التجار الفاسدين من استمرار غشهم، لذلك يجب على الإنسان أن يدرس نقاط ضعفه جيّداً وأن يحتاط من ردود الأفعال الإجرامية ويُحاول بقدر الإمكان تفادي الأضرار الكبيرة التي قد تأتي من أصغر الثغرات وأن يضع في اعتباره أنه لا يُمكن تفادي وجود الثغرات ولكن من الممكن تخفيض المخاطر الناجمة من استغلالها للحد الأدنى إذا تحلى الإنسان بقدر معقول من الحكمة واليقظة والحذر.