يعد الماضي كنزا مهما لمن استطاع الاستفادة من مكنوناته النفيسة وتجاربه المليئة بالحكمة والخبرة، بشرط أن تستطيع الاستفادة من الخبرات والتجارب وأن تنسى الألم والشقاء وهذا بكل تأكيد صعب ولكنه ممكن ببعض الممارسة واستعمال بعض التقنيات مثل التخيل، من الطرق التي أعجبتني تصحيح وإعادة المشهد بعد التعلم من التجربة وذلك بإعادة تخيل المشهد ولكن هذه المرة وأنت متمكن من المعلومة وممارس للمهارة فتعيد نفس المشهد وأنت البطل القادر على الاستفادة من الموقف لأقصى درجة، ربما يبدو لك أن هذا الكلام غير عملي لكن لو أعدت التجربة بثقة ولعدة مرات أعدك أنك لن تستطيع التفرقة بين التجربة الأولى " الحقيقية " والتجربة الثانية " التخيل "، وذلك لأنه تبث علميا أن العقل لا يفرق بين الحقيقة والخيال عند التذكر. لما كل هذا الحديث عن التجارب السابقة لأنها مربط الفرس فأنت لن تقدم بشجاعة على موقف أو مشكلة معينة إذا كانت تجاربك السابقة سيئة وسلبية، لذلك أنصحك يا صديقي بأن تحتفظ بالخبرة وتنسى التجربة السلبية. - السبب الثاني هو عدم الثقة بالذات وقدرتها على النجاح، وهذا السبب مرتبط إلى حد ما بالسبب الأول، لكنه ليس المؤثر الوحيد فبالإضافة للتجارب السلبية التي تضعف ثقتنا بأنفسنا هناك كذلك ضعف تقننا بالله لأن الذي يثق بالله يعلم يقينا وباعتقاد راسخ – وليس معلومة محفوظة فقط – أن الله لا يضيع من عمل عملا صالحا بل يعينه ويقويه، ومن كان الله معه فلم الخوف والجزع من المبادرة والمشاركة في كل ما أحس في نفسي القدرة على تحقيقه أو المساهمة في إنجاحه، ثم المؤثر الثالث بهذا السبب هو المحيط حيث أن المحيط اليائس يزرع الإحباط في النفس، وكما تنتقل الأمراض الوبائية تنتقل الأمراض النفسية بل ربما هي أكثر عدوى من أمراض الجسد، فأنصحك صديقي بالهروب والنجاة من كل محيط موبوء بأمراض اليأس والإحباط – سأل الممكن المستحيل : أين تعيش، فقال : في عقول اليائسين -. كل إنسان يمتلك قدرا من الشجاعة يرتفع وينخفض حسب أحوال الشخص ونفسيته، وحسب قدرته على المبادرة وخَلق الدوافع الذاتية، وحسب إيمانه برسالته وعمله الذي يؤديه، لذلك على الإنسان أن يقوي عزيمته بشيئين أولا بقربه من الله ومعرفته بأسمائه وصفاته فذلك يزيد من قدرته على المبادرة لإحساسه بأنه ليس وحيدا في الساحة ولكن من وراءه رب قوي قادر فعال لما يريد، ثم برسم أهداف قادرة على تحريك رغبته وإرادته لتكون الشعلة التي لا تنطفئ للعمل والجد والمبادرة ثم يتخذ من نفسه دوافع تعينه على صعوبات الحياة ونكساتها. وأخيرا اختم بقصة قرأتها وأعجبتني فأردته أن تشاركوني بها وهي لطبيب كان قادرا على أخد القرار والانتصار لمبادئه رغم ما كان يعانيه من مشاكل وأحزان ؛ دخل جراح إلى المستشفى بعد أن تم استدعاؤه على عجل لإجراء عملية فورية لأحد المرضى. وحضر إلى المستشفى وبدل ثيابه واغتسل استعدادا لإجراء العملية. قبل أن يدخل إلى غرفة العمليات وجد والد المريض يزرع الممر جيئة وذهابا، وعلامات الغضب بادية على وجهه وما أن رأى الطبيب حتى صرخ في وجهه قائلا : علام كل التأخير يا دكتور ؟ ألا تدرك أن حياة ابني في خطر ؟ أليس لديك أي إحساس بالمسؤولية ؟ ابتسم الطبيب برفق وقال : أنا أسف يا أخي فلم أكن في المستشفى وقد حضرت حالما تلقيت النداء وبأسرع ما يمكنني، والآن أرجو أن تهدأ وتدعني أقوم بعملي وكن على ثقة أن ابنك سيكون في رعاية الله وأيدي أمينة. لم تهدأ ثورة الأب وقال للطبيب : أهدأ ؟ !!!!!! ما أبردك يا أخي لو كانت حياة ابنك على المحك هل كنت ستهدأ ؟ ماذا لو مات ولدك ما ستفعل ؟ ابتسم الطبيب وقال : أقول كما قال الله عز وجل : { الذِين إذا أصابتهم مصيبَة قالوا إِنا لِلّهِ وإِنَا إِليهِ راجعون } يا أخي الطبيب لا يطيل عمرا ولا يقصره والأعمار بيد الله ونحن سنبذل كل جهدنا لإنقاذه ولكن الوضع خطير جدا وإن حصل شيء فيجب أن تقول : إنا لله وإنا أليه راجعون، اتق الله وأذهب إلى مصلى المستشفى وصل وادع الله أن ينجي ولدك. هز الأب كتفه ساخرا وقال : ما أسهل الموعظة عندما تمس شخصا آخر لا يمت لك بصلة. دخل الطبيب إلى غرفة العمليات، واستغرقت العملية عدة ساعات،وخرج الطبيب على عجل وقال لوالد المريض : ابشر يا أخي فقد نجحت العملية تماما والحمد لله،وسيكون أبنك بخير،والآن اعذرني فيجب أن أسرع بالذهاب فورا، وستشرح لك الممرضة الحالة بالتفصيل حاول الأب أن يوجه للطبيب أسئلة أخرى ولكنه انصرف على عجل. انتظر الأب دقائق حتى خرج أبنه من غرفة العمليات،ومعه الممرضة فقال لها الأب : ما بال هذا الطبيب المغرور لم ينتظر دقائق حتى أسأله عن تفاصيل حالة ولدي؟ فجأة أجهشت الممرضة بالبكاء وقالت له : لقد توفي ابن الدكتور يوم أمس على اثر حادثة، وقد كان يستعد لمراسم الدفن عندما اتصلنا به للحضور فورا، لأن ليس لدينا جراح غيره وهاهو قد ذهب مسرعا لمراسم الدفن وهو قد ترك حزنه على ولده كي ينقذ حياة ولدك !!