على الرغم من تجاوزه سن التسعين ما زال الكاتب الفرنسي ستيفان هيسيل يعبر بنجاح ملحوظ عن سخطه إزاء الظلم المنتشر في العالم، ويبعث برسائل عامة في هذا الصدد من أجل حث الرأي العام الفرنسي والدولي للعمل على حفظ السلام وإقامة العدل ومناهضة العنصرية والتمييز بين البشر. وقد أصدر مؤخراً كتاباً لهذه الغاية بالاشتراك مع الكاتب ألبير جاكار بعنوان «طالبوا بنزع سلاح نووي شامل» وفيه يروي كيف أن وجود العالم بأسره قد يكون معلقاً بسبب التسلح النووي الواسع على خطأ غير مقصود. ويروي هيسيل وجاكار حادثة وقعت العام 1995 حين كان بوريس يلتسين حاكماً لروسيا، حيث اكتشفت هيئة الأركان الروسية فجأة صورة صاروخ قادم نحو الأراضي الروسية، فكان أن أبلغ العسكريون رئيس الجمهورية بهذا الأمر، وكان عليه أن يتخذ قراراً سريعاً بإرسال بضعة صواريخ نووية نحو الولاياتالمتحدةالأمريكية، غير أنه تردد قليلاً، ثم قرر ألا يرد وطالب بالتحقق مما حصل، فتبين له أن النرويج أطلقت صاروخاً نحو الأراضي الروسية لأغراض متصلة بأبحاث مناخية، ونسيت أن تبلغ الروس بالأمر فساد وجوم في هيئة الأركان قبل أن ينفجر الجميع بالضحك، وكأن أثقالاً انزاحت عن أكتافهم في لحظة واحدة. يخلص الكاتبان من هذه الحادثة إلى أن الردع النووي المتبادل هو كذبة كبيرة، وأن السلام العالمي رهن بتفسير خاطئ لمبادرة بيئية، خصوصاً أن التسلح النووي آخذ في الاتساع، وبالتالي لا ينحسر كما توحي بعض الإحصاءات التي تقول إن عدد الرؤوس النووية في العالم انخفض من 70 ألف رأس إلى 20 ألف رأس نووي بعد انهيار الحرب الباردة، بيد أن الإحصاءات نفسها تهمل حقيقة هي أن ما تبقى من الترسانة العسكرية النووية يمكن أن يدمر العالم عشرات المرات، وبالتالي فإن تخفيض حجم السلاح النووي لا يقلل من خطر دمار العالم قيد أنملة، ولعل هذا ما يفسر إصرار حركات البيئة في الغرب على وجوب التخلي عن البرامج النووية العسكرية والمدنية في آن معاً. أما الحديث عن تخفيض حجم الترسانة النووية في العالم فلربما أريد منه تخفيض كلفة صيانتها وتأهيلها الدائم للانطلاق، وهي كلفة عالية وتقدر بعشرات المليارات من الدولارات. ليس هيسيل هو أول من اكتشف عبثية السلاح النووي وخطره الجهنمي، فحركات الخضر ما انفكت تحذّر من هذا الخطر وما برحت صفوفها تتضاعف جراء اقتناع أقسام مهمة من الناس في الغرب بوجوب التحرر من هذا الكابوس الذي لعب دوراً في انهيار الاتحاد السوفييتي، لكنه لم يخفض خطر الفناء بوصة واحدة. وفي السياق، يبدو أن الكاتبين قد اختارا مناسبة الانتخابات الرئاسية الفرنسية لإطلاق هذه الصرخة، خصوصاً أن البرامج النووية الفرنسية شكلت محوراً أساسياً من محاور النقاش خلال الحملة الانتخابية في دورتها الأولى بنسبة أقل منها في الدورة الثانية. مما لا شك فيه أن صرخة الكاتبين الفرنسيين لتدمير الترسانة النووية في العالم جديرة بالاحترام.