خرج المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند أولا في انتخابات الدور الأول للرئاسة الفرنسية بنحو 28 نقطة، فيما حل بعده بنقطة واحدة الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي، وانتقلا بالتالي إلى الدور النهائي الذي سيجري في السادس من مايو/ أيار الجاري. سواء فاز ساركوزي أو هولاند، فإن تركيا تبدو كاللبؤة الجريحة في معركة لن تنجو تداعياتها من أنياب هولاند أو ساركوزي.أعلن فرانسوا هولاند أثناء الحملة الانتخابية للدور الأول، أن تركيا لن تدخل، في عهده إذا انتخب رئيساً، إلى الاتحاد الأوروبي، أما ساركوزي فموقفه المعروف والذي مارسه عملياً، أن تركيا لن تدخل أبداً إلى الاتحاد الأوروبي. ليس موقف هولاند الذي يحدد "عهده" فقط لعدم دخول تركيا سوى مجاملة لموقف دائم من جانبه، ومعارضة دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وسط الفرنسيين، لا تقتصر على الحزبين الاشتراكي واليميني بل تتعداهما إلى معظم الأحزاب الأخرى. مارين لوبين مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتشددة نالت زهاء 18 في المئة من الأصوات وحلت ثالثة في مفاجأة كبيرة. ولموقفها دلالات قومية كبيرة، إذ بنت حملتها على العزف على وتر المهاجرين ومشكلاتهم وتأثيراتهم في فرص الفرنسيين وثقافتهم عندما أثارت اللحم الحلال وما شابه. لم تكن السياسة الخارجية حاضرة بقوة في برامج المرشحين للرئاسة الفرنسية، كان التركيز على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي. ولم تكن لوبين بحاجة إلى التعبير عن موقفها من تركيا، فإذا كان هولاند وساركوزي يعارضان من دون قطع المحادثات المباشرة بين الاتحاد وتركيا للانضمام، فإن ماري لوبين تعارض أي شكل من أشكال المباحثات مع تركيا. الموقف الأوروبي واضح من علاقة تركيا بالاتحاد، تركيا بلد كبير وقوي وهو جزء من الاستقرار والأمن في أوروبا ولا سيما في البلقان، وليس من مصلحة أوروبا أن تصل العلاقات مع أنقرة إلى نقطة القطيعة التي تفاقم النزعات المتشددة في تركيا والتي هي في الأساس متشددة قومياً ودينياً ضد الغرب. ومن مصلحة أوروبا استمرار التعاون التركي الأوروبي على الصعيدين العسكري والأمني والسياسي، خصوصاً أن تركيا راضية عن تحمل مسؤولياتها في إطار حلف شمال الأطلسي الذي يخدم المصالح الأوروبية والغربية أكثر مما يخدم تركيا التي تجد نفسها في مواجهة جيران مشرقيين مسلمين وغير مسلمين، بل أيضاً لا تزال أوروبا راغبة في مساعدة تركيا على تطوير نظامها السياسي الذي لا يزال يعاني، ولا سيما في مسألة الأقليات، رغم الإنجازات التي تحققت على صعد أخرى. ليس من موقف نهائي في العلاقات الدولية، لكن الذي يظهر أن أوروبا ليست بعد مستعدة لا الآن ولا في المدى المنظور، لتقبل عضوية دولة مسلمة، وفي الوقت نفسه كبيرة الحجم سكانياً، في الاتحاد الأوروبي مثل تركيا.وبمعزل عن الأسباب التي تدعو تركيا إلى التباطؤ في الإصلاحات الأوروبية والفرص التي يتيحها إيلاء المشرق العربي والإسلامي اهتماماً أكبر، فإن العامل الثقافي هو الذي يلعب دوراً "باطنياً" في العلاقة بين الطرفين سواء لدى الأوروبيين أو لدى الأتراك. ويتفاقم الوضع سوءاً إذا دخلت عليه عوامل إضافية.ساركوزي أم هولاند؟ الأمر سيان لدى الأتراك وإن كان "تجريب" غير المجرب، أي هولاند، قد يعطي أملاً وهمياً في النهاية، للأتراك ببدء مرحلة جديدة مع فرنسا وأوروبا.