الفوضى الخلاقة لها بعض المزايا وفي مقدمتها إمكانية السيطرة عليها، وتحويل مسارها إلى ما هو أفضل، بينما العمى الخلاق، والذي يعتد بالشق الأول من وصفه وهو العمى، فإن آثاره مدمرة، ولا مجال فيه للخلق والتخليق، وقيل في الأمثال: مثل ضربة أعمى. ومعروف أن ضربة الأعمى غير محددة الأهداف وبالتالي فإن ضررها كبير ومساحة احتماله مفتوحة، وهذا يعنى أن تحرك الأعمى، يكون بلا هدف أو تركيز لأنه لا يرى، وخاصة في حال افتقاده لمن يقوده أو لنقل: افتقاد شخص يبصر قادر على قيادته أو راغب في إيصاله إلى حيث يريد. ما أود قوله هنا، هو أن الوطن العربي المشتعل منذ عام، يمر في مرحلة العمى الخلاق، ولا وجود لما يطلقون عليها الفوضى الخلاقة، لأن المعطيات تؤدي إلى المخرجات، فالواقع الذي تعيشه العديد من الدول العربية، تخبط ما بعده تخبط والأنكى من ذلك أن هناك من يقود ويوجه هذا التخبط لتكون النتائج كارثية. لا يظن أحد أنني أدافع عن نظام ما، أو أتبنى وجهة نظره، لأن لي موقفاً واضحاً، وهو أن بوصلة النظام التي لا تتوجه إلى فلسطين والقدس، إنما تدل على أنه نظام مشكوك فيه، ويستحق ما يجري له، حتى لو خلع على نفسه كل ألقاب الشرف. ولكن قبل الغوص في التفاصيل لابد من التأكيد على أن ما يحصل في الوطن العربي ليس فعلاً ثورياً، مع أننا بحاجة إلى كل الأفعال الثورية لتصحيح المسار فنحن أمة تستحق وضعاً أفضل من هذا الوضع. لماذا وصف ما يجري بأنه عمى خلاق؟ الجواب على ذلك ليس بحاجة إلى ائتلاف سحر يهودي هندي مغربي بل يستنبط من أرض الواقع، فما جرى وما يزال يجري في كل من ليبيا ومصر بعد حسم الحراك وكذلك في سوريا مؤشر فاقع الاحمرار على أن العمى الخلاق هو سيد الموقف وإلا لما رأينا الصراعات والحراكات المضادة في ليبيا ومصر وشلالات الدم في سوريا. العمى الخلاق هو السلاح النووي الذي تم استخدامه من قبل أعداء الشعوب، وسنجد مجتمعاتنا غارقة لسنين طوال في مستنقع الثأرات، وسيبقى الرصاص يلعلع، وربما يأتي ذلك لتعويض الصمت الذي شهدته الجبهات العربية مع "إسرائيل" طيلة الستين عاما الماضية.ولعمري لو أن إسرائيل وجدت من الدول العربية من كان جاداً في مواجهتها وحشد لذلك، لما تغولت وأصبحت دولة نووية مع أننا ما نزال نستورد كل مستلزماتنا ليس من الغرب فقط بل من "إسرائيل" نفسها. صحيح أن الحراك أو كما يحلو للبعض تسميته بالثورة قد سرق وحرف عن مساره، ولكن ألم يخطر ببال من يتباكون على هذا الانحراف أن يقوموا بفعل مضاد ويلتقطوا البث مجدداً ويتحكموا بالمسار حتى لا تغرق بلادهم في أتون فوضى عارمة لا تبقي ولا تذر.