أثناء محادثتي له عبر الهاتف كان صديقي الحميم ،الذي يسكن في مدينة الرياض سعيداً بخبر سماح دخول الشباب أسواق الرياض بتوجيه من أمير منطقة الرياض الأسبوع الماضي. صديقي المتزوج الذي يستمتع الآن بمرحلة "ما بعد العزوبية" يصف منع الشباب في السابق من دخول المراكز التجارية في الرياض بالتصرف غير اللائق حضارياً، فهو يرى انَ الأسواق والمراكز التجارية تعتبر من المواقع العامة التي يحق لأي شخص أن يدخلها شريطة عدم مخالفة الأنظمة والإخلال بالآداب العامة، ولأنه يفهم في "البزنس" فهو يتوقع أن دخول العزاب إلى المجمعات التجارية سيكون مفيداً أيضاً على الصعيد الاقتصادي فبعض الأسواق قد تغير من نشاطها وتوفر فرص عمل جديدة ومتنوعة لجذب الشباب وقوتهم الشرائية بدلاً من تركيز نشاطها فقط على المجال النسائي. لم يستطرد صاحبي بعد ذلك في حديثه عن تبعات القرار وإنما فجأة بدأ يرجع بذاكرته إلى الوراء وبدأ يسرد بعض معاناته عندما كان "أعزباً" حيث كان يرى بأم عينيه الأسواق والمراكز التجارية تبنى وتشيد وتدشن ثم يمر أمامها عاجزاً عن دخولها بأمر "للعوائل فقط"، حينها كان يرغب في اقتناء بعض الهدايا لوالديه أو لإحدى أخواته أوشراء بعض الاحتياجات التي لا تتوفر إلا في تلك المراكز التجارية الكبرى. ولا ينسى صديقي ذلك الموقف الطريف عندما هاتف والدته يوماً وهي تنتظره داخل السوق فخرجت لتدخل إبنها "الفحل" الذي أصبح "منظرة" عند بوابة الدخول، بينما يستطيع أن يدخل في أي وقت ومن غير "شفاعة" أماكن عامَة أخرى يختلط فيها الرجال مع النساء كالمستشفيات، وحينما تزوج قرر صاحبي الذهاب بشكل متكرر للأسواق مع زوجته "المحرم أمام رجال أمن السوق" انتقاماً من أيام عزوبيته وبعده عن الأسواق. وبنظرة واقعية إلى من حولنا نجد أن كل دول العالم يدخل فيها العزاب إلى الأسواق والمجمعات التجارية ونحن الوحيدون الذين نمنع شبابنا من دخول معظم الأسواق والمطاعم والمراكز التجارية ونحرمه من التسوق والترفيه وتناول الطعام وقضاء مشترياته وذريعتنا هي الخوف على النساء من مضايقة الشباب لهن. هل شبابنا وحوشاً وذئاباَ بشرية حتى يمنعوا دون سواهم على مستوى العالم من دخول تلك الأماكن العامة؟ ولماذا الشباب السعودي فقط ونحن أكثر دول العالم بناءً للمساجد والدولة الوحيدة في العالم التي تغلق فيها المحلات التجارية للصلاة وأكثر شعوب العالم الإسلامي حرصاً على حضور وسماع خطبة الجمعة من كل أسبوع. نعم واقعنا يؤكد وجود فئة قليلة من الشباب تستهتر بالأنظمة والأخلاق العامة وتقوم ببعض السلوكيات الخاطئة وهذه حقيقة لا يمكن إخفائها ولكن ليس من العدل تحميل باقي الشباب وزر هؤلاء، وتلك السلوكيات الخاطئة يمكن احتوائها متى ما وجدت احترافية من قبل رجال أمن السوق وحرصت المجمعات التجارية على زيادة أعداد كاميرات المتابعة والمراقبة في جميع ممرات السوق لضبط أي شخص يخل بالآداب العامة ويخالف الأنظمة والذوق العام. رغم تأخره كثيراً إلا أن القرار أنصف شباب الرياض وتميز في كون نتائجه وتوصياته جاءت بعد دراسة وبحث وتحليل من قبل لجنة ثلاثية مشكلة من وكيل إمارة منطقة الرياض للشؤوون الأمنية ومديرعام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض ومدير شرطة الرياض، ولم يتخذ القرار وفقاً لرأي شخص أو جهة محددة، ومع ذلك فإن نجاح القرار على الواقع مربوط بتعزيز ثقة المجتمع في فئة الشباب مع وضع وتطبيق القوانين التي تحفظ النظام وتردع المشاكسين حتى يتسوق الجميع ذكوراً وإناثاً وباختلاف حالاتهم الاجتماعية بكل هدوء وأمان ورقي حضاري، وهذا ما نتمناه في أسواق الرياض وجميع مدن المملكة.