لطالما تبجح علينا الغرب أنه "أب الديمقراطية" واعتبر أن بقية دول العالم ما زالت في الديكتاتورية والتخلف تنعم ولو قبلنا فرضاً بهذه الأطروحة رغم أنه بمقدورنا أن نبرز ضعفها في العديد من الجوانب فإن دراستنا للنموذج الغربي بالكثير من التمعن والموضوعية ومحاولة عدم الخضوع لسحر تلك العبارات الرنانة سيبرز لنا أن هذا المثال الذي يدعو إليه الغرب إنما هو في الحقيقة نموذج كاذب ولا يمت للديمقراطية في معناها الصحيح بأية صلة. إن دراستنا للديمقراطية ستقوم على أساس تاريخي حيث نلاحظ أنها عرفت ثلاث مراحل أساسية وهي أولاً الديمقراطية اليونانية وثانياً ديمقراطية عصر الأنوار وثالثاً الديمقراطية المعاصرة. تقوم هذه الديمقراطية أساساً على فكرة أن جميع أفراد الشعب يتخذون القرارات وذلك خلال الاجتماعات الشعبية من هنا سميت بالمباشرة وهذا ما يجد أساسه في عبارتي ديموس وكراتوس أي الحكم للشعب ويعود هذا الشكل لكون أن الدول في هذه الفترة الزمنية تمتاز بقلة عدد السكان. لكن هذا في الحقيقة ما هو إلا كذبة ووهم حيث إنه بعودتنا للتاريخ الإغريقي ولشكل الحكم في اليونان سنلاحظ أن "حق الحكم" لم يكن متاحاً لجميع أفراد الشعب حيث لم يكن يحضر الاجتماعات سوى علية القوم حيث إن القانون اليوناني كان يمنع على النساء والرقاق والعمال وعدد كبير من التجار من حق حضور الاجتماعات الشعبية أي يمنع عليهم حقهم في المشاركة في قرارات الدولة. لقد كان القانون الإغريقي يشترط في المشاركين أن يكونوا أولاً ذكورا وثانياً أحراراً ويجب أن يكونوا من ملاك العقارات وأن يكونوا قد شاركوا في جميع الحملات العسكرية فمثلاً في سكان أثينا الثلاثة والأربعين ألفاً لم يكن يشارك في اتخاذ القرارات سوى ثلاثة آلاف. هكذا نتبين أنه خلال العصر الإغريقي هذا العصر الذي يدعي فيه الغرب أنه مجد الديمقراطية كان الحكم في يد النبلاء وهذا الواقع يتماشى مع أفكار الفلاسفة حيث إن سقراط مثلاً كان يرى أن السياسة فضيلة لا يمكن أن يشارك فيها البناؤون والاسكافيون والباعة المتجولون في حين أن أفلاطون اعتبر في كتابه الجمهورية أن المشاركة في اتخاذ القرارات يجب أن تنحصر في أهل المعرفة الذي هم بالنسبة إليه طبقة النبلاء حيث إنه حسب رأيه لا يمكن المساواة بين غير المتساوين . هكذا نتبين أن الديمقراطية المباشرة الإغريقية هي وهم حيث إنها ديمقراطية كاذبة.