إنكم سعداء ولكن لا تدرون، سعداء إن عرفتم قدر النعم التي تستمتعون بها، سعداء إن عرفتم نفوسكم وانتفعتم بالمخزون من قواها، سعداء إن طلبتم السعادة من أنفسكم لا مما حولكم، سعداء إن كانت أفكاركم دائمًا مع الله، فشكرتم كل نعمة، وصبرتم على كل بَلِيَّة، فكنتم رابحين في الحالين، ناجحين في الحياتين.أما الشيخ يوسف القرضاوي فقد عبَّر عن السعادة في قصيدة جميلة طويلة. فراح يذكر آراء الناس في السعادة ثم يفندها واحدا واحداً فبدأ بمن قال إن السعادة في الغنى: قالوا: السعادة في الغنى فأخو الثراء هو السعيد الأصفر الرنان في كفيه يلوي كل جيد يرمي به شركاً يصيد من الرغائب ما يصيد وبه يدين له العصي وقد يلين له الحديد ويتابع الشيخ واصفا ما يمكن أن يعمله الغني بماله وكيف يمشي الناس خلفه، ثم يرد على هذه الفكرة بقوله: قلت: الغنى في النفس وهو لعمرك العيش الرغيد ثم راح يعدد ما يتصف به الغني من جشع وحب للمال وعدم شبع منه بل كيف يصبح عبداً له. موضِّحاً ما سيحل به إن انقلب إلى الفقر من بعد الغنى وكيف: قد عافه الخل الودود كأنه نتن ودود ثم يتساءل: أفبعد ذاك تظن أن أخا الثراء هو السعيد؟ ثم ينتقل إلى من يقول بأن السعادة في النفوذ، ويصف قائلاً: قالوا: السعادة في النفوذ وسلطة الجاه العتيد مَن كالأمير وكالوزير وكالمدير وكالعميد؟ يرنو إلى مَن دونه فيسابقون لما يريد وإذا رأى رأياً فذلك وحده الرأي الرشيد ويعدد الشيخ كيف يشقى صاحب النفوذ لأنه مضطر لأن يتملق مَن فوقه ولكن الشقاء الحقيقي عندما يتم عزله من منصبه فينفض الناس من حوله: وافوه يوم نفاقه وجفوه أيام الركود وإذا رأوه دعوا: ألا بُعداً كما بعدت ثمود ثم يذكر الشيخ من يقول بأن السعادة في الحب والغرام فيقول: قالوا: السعادة في الغرام الحلو... في خصر وجيد في نرجس العين الضحوك وفي الورود على الخدود ثم يفند هذه المقولة ويوضح كيف تنفض الغانيات إلى غيره عندما تتغير أحواله، موضحاً معاني الحب الحقيقي: الحب حب الأم والأب والحليلة والوليد حب يدوم مع الزمان فلا خداع ولا كنود ثم يأتي برأي من يقول بأن السعادة هي في الكسل وفي المشي مع القطيع بلا اعتراض: قالوا: السعادة في السكون وفي الخمول وفي الخمود في لقمة... تأتي إليك بغير ما جهد جهيد في المشي خلف الركب في دعة وفي خطو وئيد في أن تقول كما يقال فلا اعتراض ولا ردود في أن تسير مع القطيع وأن تقاد ولا تقود ثم راح يفند هذا الرأي ويوضح معنى الحياة عندما يعيش الإنسان كما يريد لا كما يُراد له، وإلا: فإذا ركنت إلى السكون فلُذ بسكان اللحود ثم يوضح أن السعادة في الإيمان وأن تعيش لفكرة وعقيدة وأن تجيب على هذه الأسئلة: من أين جئت؟ وأين أذهب؟ لِمَ خُلقت؟ وهل أعود؟ لتعطي حياتك قيمة، ثم يختم: قل للذي نشد السعادة: دونك النبع الفريد إن السعادة منك، لا تأتيك من خلف الحدود هي بنت قلبك بنت عقلك ليس تُشرى بالنقود فاسعد بذاتك أو فدع أمر السعادة للسعيد وهكذا ينتهي القرضاوي كما الطنطاوي إلى أن السعادة هي وليدة النفس ولا تأتي من خارجها. فاختر لنفسك يا أخي ما تريد. كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز [email protected]