رزق العرب منذ قديم الدهر فراسة حاذقة يتعرفون بها على مكامن الماء في باطن الأرض ببعض الإشارات الدالة على وجوده، وبعده وقربه، بشم التراب أو برائحة بعض النباتات فيه، أو بحركة حيوان مخصوص، وقد سمى العلماء معرفتهم هذه علم الريافة. قال الألوسي : هو نوع من الفراسة، وهي موجودة في بعض أعراب نجد، ويسمى من له هذه المعرفة اليوم "النصات"، ولم تذكره معاجم اللغة، وهو من مبالغات اسم الفاعل من : نصت الرجل ينصت نصتاً، وهو "القنقن"، وجمعه بالفتح "القناقن". وقد عرفته دواوين اللغة بأنه "البصير بالماء تحت الأرض" و"البصير بحفر المياه واستخراجها" و"الذي يسمع فيعرف مقدار الماء في البئر قريباً أو بعيداً" من القن، وهو "التفقد بالبصر" وبدأ العلماء المسلمون التأليف في الماء في أواخر المائة الثانية الهجرية، وقد تناولوا بحثه من جوانب مختلفة، وأرقاها وأبلغها فوائد وعوائد ما ألفوه في (استنباط المياه الخفية). ولعل أول كتاب في هذا الفن، بلغنا خبره، هو كتاب "علل المياه وكيفية استخراجها وإنباطها في الأرضين المجهولة"، الذي ألفه أبو بكر أحمد بن علي المعروف ب"ابن وحشية" من أهل المائة الثالثة الهجرية. ووضع فيلسوف العرب "أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي" المتوفى نحو سنة 260ه شرحاً على كتاب "في قود المياه"، أي جره وسحبه ل"فنيلون البيزنطي" ذكره أبو عمر أحمد بن محمد بن حجاج الإشبيلي في كتاب "المقنع في الفلاحة"، ونقل إلى كتابه فصلاً منه (فيما يعرف به قرب الماء من بعده وحلوه من مره)، وقال في صفته : "هو أحسن كتاب ألف في هذا الشأن، ولا بد لمن أراد قود ماء من موضع بعيد إلى مدينة أو قرية أو نحوهما، من تصفح هذا الكتاب، لما فيه من المنافع وقرب المآخذ". ونجد أيضاً في رسالة الكندي "في العلة الفاعلة للمد والجزر" اكتشافه للدورة الهيدرولوجية، فيذكر عناصرها المعروفة في الوقت الحاضر تقريباً وهي : التبخر ويذكر أنه يتم بتأثير الشمس، و التكاثف: وينعقد سحاباً. و الهطل : ويصير مطراً أو ثلجاً أو بردًا. والجريان أو الانتقال : عائداً إلى الأرض سائلاً إلى البحار.