لم يكن خطاب خادم الحرمين الشريفين الذي ألقاه يوم الأحد في مجلس الشوري بالخطاب العادي ليس لأنه فقط أتى في لحظة مفصلية من حياة الأمة العربية فحسب بل لأنه تناول الشأن الداخلي بهم الداخل و بعقل مجتمع ينبض بالحياة و يطلب التقدم و المشاركة على عكس كثير من خطابات الرؤساء العرب الذين عملوا على التعاطي مع المتغيرات بطريقة أقرب للاستعراض الإعلامي و التخدير السياسي. الخامس و العشرون من شهر سبتمبر 2011 سيبقى في ذاكرة وطني الحبيب اليوم الذي اعترف الوطن فيه أخيرا بأن نصفه الناعم مساوٍ في الحقوق و الواجبات نصفة الخشن، و أن المرأة التي كانت و ستظل منبعاً لا ينضب من الحنان الأنثوي ستصبح في ذات الوقت عقلا مفعم إنتاجية و مشاركة و تطوير لبلد يستحق منا جميعا التضحية و الفداء لأرضه و مليكه و شعبه. خطاب الملك عبدالله التاريخي والذي منح فيه المرأة حق المشاركة في مجلس الشورى و حق الترشيح و الانتخاب في المجالس البلدية سيكون نقطة تحول محورية لفكرة حق المواطن في التعبير ودوره في البناء و أن كلام الملك الذي طالما قاله و كرره بأن في بلاد تطبق الإسلام كبلادنا لا يمكن قبول العنصرية ضد أي عرق أو مذهب أو طبقة أو أصل أو جنس و هو الكلام الذي جعله المليك ممارسه تشريعية و بقرار ملكي لا يقبل التأويل أو التفسير أو التهرب منه، و هو ما اعتاد عليه ثلة من الرافضين على تطوير البلاد و تحويلها إلى وجهة حضارية رافضين بذلك وممانعين تحقيق أهداف قيادة البلاد و التي أرساها المغفور له الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن و أبناؤه من بعده و التي تمحورت حول خدمة الشعب قبل كل شيء و جعل الوطن للجميع ، و هو تماما ما أكده خادم الحرمين الشريفين في كلمته عندما قال بأن “كفاح والد الجميع الملك عبدالعزيز مع أجدادكم – يرحمهم الله – أثمر وحدة القلوب ، والأرض ، والمصير الواحد ، واليوم يفرض علينا هذا القدر أن نصون هذا الميراث ، وأن لا نقف عنده بل نزيد عليه تطويراً يتفق مع قيمنا الإسلامية والأخلاقية”. المرأة و التي أصبح لها اليوم استقلاليتها من الناحية النظرية ستواجه في القادم من الأيام تحديات يجب أن تجد لنفسها مخارج لها، فالدور المناط بها سيتجاوز كينونتها الإنثوية و يتغاضى عن خصوصيتها الفسيولوجيه، و هي تحديات عليها أن تعيها جيدا لتستطيع أن تنافس أخاه الرجل في سوق الأفكار و العمل و التطوير، فلا مكان للحالات الخاصة في عالم يتطلب الجهد المضاعف من أجل تحقيق الإنجازات التي تحدث الفروق في المجتمع. لم يعد من المجدي بعد خطاب الملك أن تفرد المعلقات لمناقشة مواضيع كقيادة المرأة مثلا و حقها في العمل في أماكن السوبرماركت رغم أهمية هذين الموضوعين،، فهي حقوق ستحصل عليها تلقائيا لا محالة، فالملك عبدالله بقراراته اليوم قد رفع سقف التوقعات و جعل تلك القضايا من شأنها أن ترى كفرعيات، لأن ما حصلت عليه المرأة اليوم من اعتراف بحقها في أن تعامل بمساواة مع الرجل باعتبارها عنصرا أساسيا في بناء المجتمع يجعلها بدون شك تعيد النظر في أن الأولوليات التي قد تكون قد تصورتها في الماضي باعتبارها الأهم قد اتضح لها أنها ربما تكون مجرد شكليات وربما هي نتائج حتمية لأهداف أهم و أشمل تسير نحو تحقيقها على المستوى الوطني. في كثير من الدول ينتظر المواطن سماع مسؤوله الأول يتحدث عن تجاوبه لمطالبه الحياتية اليومية، و ما قام به خادم الحرمين في تصوري الشخصي تجاوز بالنسبة لي أقصى توقعاتي، فربما لو كان القرار توقف عند مشاركة المرأة في مجلس الشورى فلربما كان كافيا للبعض و في هذه المرحلة الانتقالية، أما أن يعلن حقها في الترشيح والترشح و لم يزد عن تجربة بلادنا الخاصة بالانتخابات إلا سنوات قليلة فهو الحدث الأهم في تقديري و الحدث التاريخي الذي سيذكر به الملك عبدالله بعد عقود من الآن باعتباره المحرر الحقيقي للمرأة في زمن كانت هي على شفير أن تحول في مجتمعنا إلى سلعة استهلاكية في أيدي المتنفذين و إلى آلة للتوليد و الجنس في أيدي المنغلقين. إعلامي سعودي تويتر @alghaslan