كانت تحدثني جدتي لوالدي الجنوبية عن مظاهر الانفتاح والحياة البسيطة التي كانت تشترك فيها المرأة جنباً إلى جنب مع شقيقها الرجل كصاحبة قرار وفلاحة، ومشاركتها للرجل في جميع مناحي الحياة من العمل والاحتفال واتخاذ القرار وغيرها من الأشياء التي كانت تثبت بالفعل بأن ذلك المجتمع القروي بكامل نسيجه كان مجتمعاً مدنياً منفتحاً . حدثتني عن مظاهر الاحتفال، والتي كانت تشارك فيها المرأة مباشرة ومن خلال ما يسمى بالخطوة، وهي أحد أشكال الفلكلور الشعبي في مظهر وجو حضاري لم يعترض عليه أحد في ذاك الزمان الذي ليس بالبعيد. كانت المرأة تفلح إلى جانب الرجل في المزارع وكانت تعمل في أغلب الحرف والمهن إلى جانب الرجل في الأسواق وغيرها، دون هذا الوهم الذي يدعى (الاختلاط) والذي اخترعناه نحن منذ ثلاثة عقود تقريباً. نتعجب حقيقة من عظم حجم التناقض الحاصل في مسألة الاختلاط في العمل لدينا، فعلى سبيل المثال نُفاجأ بوجود منشآت قائمة في مدينة جدة في بعض الأحياء الراقية أو المجمعات التجارية الكبيرة، تعمل المرأة فيها بدون أي مشاكل أو تنغيص من أيو جهة كانت ، وفي المقابل تجد غالبية الشركات الصغيرة والتي تقع تحديداً داخل نطاق مايصطلح على تسميته بالأحياء الشعبية، تمنع المرأة من العمل، وإذا تجرأ أيٌ منها على تشغيل امرأة يكون مصيرها ومصير الشركة (المحاسبة والعقاب) رغم عدم وجود نظام صريح ينص على معاقبة الشركة التي توظف النساء إلى جانب الرجال؛ بل رغم وجود نظام وقرار وزاري واضح وصريح ينص على تنظيم عمل المرأة في حدود وضحها النظام الوزاري، وفي الوقت الذي يتم فيه مشاركة المرأة بجدارة في عمل المستشفيات، فلماذا وإلى متى يبقى هذا الأمر في متاهة الأخذ والرد بين التيارات الفكرية؟! الموضوع بكل بساطة: امرأة تعمل مثلها مثل الرجل في مكان عام، وتحتاج للعمل مثلها مثل الرجل ، وأحيانا تكون حاجتها ماسة للعمل أكثر منه، فهل سنتخلى عن خطابنا الذكوري المجحف ونغلق باب سد الذرائع الكبير؟ أم أننا سنظل نحارب المرأة السعودية المحتاجة في رزقها وكذلك نفعل!!! إن المبالغة في التضييق عليهن قد يدفع بعضهن إلى سلوك سبل غير مشروعة للحصول على لقمة العيش.